ملامح الكويت.. في صحبة مجلسها الجديد

خرجت الانتخابات الأخيرة، حاملة عودة 38 نائباً من المجلس القديم، مع إضافة اثني عشر نائباً بعضهم يحمل تجربة سابقة في المجلس، وسيواصل المجلس سيره كما كان سابقاً، مركزاً على مسارين: كثافة في الاستجوابات، ومبالغة في الطموحات، مع إضافات تحدَّث عنها بعض النواب، تتجسد في ثلاثية معقدة تعبر عن رغبة نيابية للعبور إلى فضاء السيادة، كما جاءت من إيحاءات رددها النواب في لقاءاتهم التنسيقية، أولها: دور المحكمة الدستورية وتقييد صلاحيتها حول إصدار أحكام تتناول مصير المجلس، وثانيها: العفو العام عن الكويتيين المتواجدين في الخارج، ابتعاداً عن قبضة الأحكام الصادرة ضدهم، وآخرها: إعادة الجنسية الكويتية لمن تعرضوا إلى سحبها منهم.
وهنا لا بد أن نلاحظ بأن الاختلاف بين موقف الحكومة وبين رغبات المجلس في مسار التنمية والتطوير يحمل مرونة قادرة على هضم الإضافات المعبرة عن وجهات نظر تأتي من دراسات ومن تقدير للإمكانات، يريدها المجلس ويسعى لإقناع الحكومة للحصول على توافق الطرفين على الخطة التي يراها مناسبة للكويت.
ففي المداولات حول التنمية، تتواجد الفرص، رغم الخلاف في الاجتهاد بين الطرفين، من خلال مناقشات فيها أخذ وعطاء، كما تفتح الحوارات بين الحكومة والبرلمان مساحة واسعة للتآلف النيابي–الحكومي؛ لأنها تشكل المطلب الأساسي للرأي العام الكويتي المتشوق لخطوات تحرك الكويت من الجمود الذي لحق بها خلال هذه السنوات، والسبب في حماس المواطن يخرج من تلاصق الحيوية التنموية مع الحياة اليومية للمواطن، الذي يصدر أحكامه على المجلس من خلال إنجازاته التنموية، التي تدفع الكويت للالتحاق بالركب الخليجي التنموي، وأعتقد أن أولويات الكويت تدعو بقوة للتعامل مع ملفات التطوير والتنمية، تعويضاً عن سنوات الكساد التي ضاعت من حياة الكويت، بانفتاح رحب؛ لتقبل تنوعات في التكنولوجيا ومستجدات الصناعة والاستثمار والاتساع في التجارة.
ومهما كانت الخلافات بين الطرفين حول اجتهادات التطوير، تظل هذه الخلافات بعيدة عن صدام الأزمات، فلا علاقة لها بالقضايا الثقيلة، فلا تمس حقوق السيادة التي لا يخلو التعامل معها من الألغام والمتفجرات، كما أن التفكير في إثارة القضايا السيادية الحساسة يستلزم التعاون مع جميع الأطراف ذات العلاقة، ويفرض التنسيق المسبق الواعي لحساسيتها.
لا بد أن نلاحظ أن أهم شروط الفصل الجديد أن يتولى سمو رئيس الوزراء الدور القيادي في توجيه المداولات، وفي التزامه الضوابط التي أقرها الدستور، وإدراكه مستلزمات المرونة في دفاعه عن المشروع الذي يحمله، فلا ينجح مع التصلب، بل يحقق ما يريد إذا جرى التركيز على الخطوات التي تحرك التنمية وتشكل أساسيات التطور، ويبتعد عن القضايا التي لها حساسيات تفرض التواصل الهادئ لتجاوزها.
ونتمنى أن يتذكر سمو الرئيس أن شعب الكويت معه إذا ما أظهر الحزم في القيادة والوضوح في الطرح، والإصرار على تحقيق التعاون، والحرص على احترام الصلاحيات التي يقدمها الدستور للطرفين، وكذلك الاستعانة بدور رئيس المجلس في تقريب المواقف، وفي تجاوز التباعد مع الوصول إلى مخرج يفي بالغرض وينعش الطرفين ويرضي مشاعر المواطنين.
ونتمنى من سمو الرئيس أن يستفيد من الدروس التي استوعبها رؤساء الوزراء السابقون، فقد كان الشيخ صباح الخالد ملبياً حقوق الطرفين، ومبتعداً عن التأزيم، مقدراً ضرورة التوافق مع المجلس، كريماً في تجاهله للغليظ في السلوك وفي تجاوزات اللائحة الداخلية للمجلس.
ومن هذه التجربة تتضح ضرورات اللجوء إلى المحكمة الدستورية في حالات الشك بمضمون الاستجوابات، مع الإصرار على احترام إملاءات اللائحة الداخلية، فالواضح من التجارب السابقة، أن التساهل في عدم تطبيق اللائحة أو عدم اللجوء إلى المحكمة الدستورية أدخل الكويت في فضاء المواجهة والتعثُّر، وهو وضع غير ملائم للحالة الكويتية التي تزدهر عند التوافق بين المجلس والسلطة التنفيذية، مع السير وفق مبادئ الدستور منبع السكينة والاستقرار.
مبدأ التوافق هو الحقيقة التي ترفع الكويت ليس في التنمية فقط، بل في كل مجالات الحياة، وعلى سمو رئيس الوزراء أن يستذكرها، ويصر عليها، فهي منبع الوحدة الوطنية الصلبة، وأن يتذكر دائماً موقع الكويت في هذا الإقليم المتوتر، الذي لا يستثني الكويت من إسقاطاته المؤذية، وقد جرَّتنا الحرب العراقية–الإيرانية في الثمانينيات من القرن الماضي إلى حافة الانزلاق، ولا ننكر أن الغزو العابس جاء من إفرازاتها.
وهنا علينا، الشعب والنواب والحكومة، تأكيد الحقيقة البارزة في تجربة الكويت البرلمانية، في حتمية التداخل المصيري بين السلطتين، مستذكرين حالة التقزم التي قضيناها عندما ضعفت خيوط التداخل المصيري بين السلطتين، الأمر الذي فتح الأبواب للتطاول على مقام الكويت وتشويه تاريخها مع ما صاحبه من تضخم الفساد واتساع الإحباط.
ومن المؤكد أن سمو رئيس الوزراء يدرك مخاطر الإحباط إذا ما تسيَّد المجتمع، فنتائجه تلاشي الأمل في مستقبل واعد، وضياع حسن التدبير وتصاعد اليأس.
ومع ذلك، فالدستور الكويتي يحمل في مبادئه وفي خطواته التنفيذية التآلف بين السلطتين، وينطق بمخاطر التقصير عند تجاهل هذه الصرخة، وقد جربت الكويت مجالات كان فيها الجهد نحو التوافق ضعيفاً وتولد منه التباعد مع تساؤلات عن النوايا والشكوك في الأهداف، ولا ننكر أن سوء التفاهم تولد من عدم الوفاء لمنطق الدستور في التآلف، فلم يكن التقصير من جانب الحكومة، بل من الطرفين، وقد سجل التاريخ الكويتي أن مجرم العراق صدام حسين وظَّف تلك الفترة الجافة للتآمر على الكويت فأرسل جنوده مستغلاً المناخ الكويتي المثقل بالغيوم.
ونستذكر تلك الظروف مستفيدين من عبرها، ومدركين أننا جميعاً لم نفِ بما يدعو له الدستور، لا نصاً ولا روحاً، وسجل تاريخ الكويت حصيلة تجاهل الدستور، وقدم أحسن الدروس، فالكويت لا تعلو ولا تعمر من دون دستورها والالتزام بنصوصه وروحه.
كان الدستور هو المادة التي كنا نعرضها للتعريف بالكويت، سواء في لقاءاتنا في مبنى الأمم المتحدة أو في الندوات التي نُدعى إليها من مختلف الجامعات، ومع رجال الصحافة، نوضح قوة صوته، داعياً للعدالة والمساواة وحكم القانون، ومتانة الوحدة الوطنية وصلابة الإيمان بالوطن، ونروي للمستمعين واقع الكويت، فأجمل آليات تسويق الكويت هو الدستور، وأفضل جوانبه هي ضرورات الشراكة بين السلطتين في حياة برلمانية خرجت من إقليم متوتر دائماً، معظم سكانه مكتفين بحقوق مدنية بعيدة عن الحقوق السياسية التي هي جوهر دستور الكويت.
تعلق أهل الكويت بتراب الوطن وضحوا من أجله، وعشقوا فضاءه، وتآلفوا مع مناخه، هذه حقيقة بارزة دوّنها الشهداء في الغزو، وأكدتها الوقفة الحديدية ضد الغزاة، وكل ذلك محفور في ذاكرة الوطن وفي سجلات هذا الإقليم المضطرب، فمهما كانت حدة أصوات النواب فهم من هذا الوطن الناعم.
وأضيف – من خبرة ومتابعة – أن العالم المتقدم والمتطور ديموقراطياً يتابع الشأن الكويتي بإعجاب وتقدير، ويثمن دور البنية الكويتية الديموقراطية في الحفاظ على وهج الكويت إقليمياً وعالمياً، مع مساهمتها التنموية البارزة، ويشير إلى دور الحياة البرلمانية في تعميق الأحاسيس الوطنية وغيرتها على سلامة الوطن والحفاظ على محتوياته وقيمه.
* نقلا عن “القبس“
تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط.