مقالات وآراء

كامالا هاريس تستيقظ إلى حلمها: قبل الأوان أم فات الأوان؟

راغدة درغام

منطقياً، بدأت كامالا هاريس (60 عاماً) تتدرب على تولّي مهمات الرئاسة الأميركية منذ أن انتُخبت نائبة للرئيس جو بايدن عام 2020 ودخلت البيت الأبيض في شهر كانون الثاني (يناير) 2021. وهي أول أميركية من أصل أفريقي وأول أميركية آسيوية ومن أصول جامايكية تتبوأ هذا المنصب. قد تصبح مرشحة الحزب الديموقراطي للرئاسة إذا قرر الرئيس جو بايدن أن يسحب ترشّحه للرئاسة، والاحتمال كبير أن تصبح رئيسة للولايات المتحدة الأميركية إذا عاند بايدن على ترشّحه وفاز ضد المرشح الجمهوري دونالد ترامب. كل هذا، وكامالا هاريس تكاد تكون مجهولة أميركياً وعالمياً، قلة هم من يعرفونها جيداً وحتى هؤلاء ينقسمون إلى معجب جداً بشخصيتها وإلى من يضرب على جبينه ويهزّ رأسه استسلاماً واستهزاءً بقدراتها.

نادراً ما وقع الحديث عن “إدارة بايدن – هاريس” وقلّ ما ارتبط اسم كامالا هاريس بالسياسات الدولية الكبرى. اليوم، نسمع من المعسكر الديموقراطي الإشارة الى إدارة بايدن – هاريس لأن الذين يودّون لبايدن أن يتنحى ولهاريس أن تكون مرشحة الديموقراطيين يريدون استمرارية النهج والاستقرار الذي ارتبط بشخصية جو بايدن.
هؤلاء يريدون أن تكون كامالا هاريس نسخة عن جو بايدن.

في المقابل، ينوي الجمهوريون تسويق “إدارة بايدن – هاريس” كإثبات لما يعتبرونه فشلاً ذريعاً لها على مختلف الصعد، بما فيها اندلاع الحروب. هؤلاء يريدون أن يرتبط اسم كامالا هاريس بكل مساوئ إدارة بايدن وأن يجعلوا منها فجأة الرئيس – الشريك لبايدن والمسؤول عن تدهور الولايات المتحدة الأميركية، بحسب رأيهم. وفي طليعة ما يعتزمون عمله أن يجعلوا من كامالا هاريس مُلصق إعلانات poster لمسألة حيوية في هذه الانتخابات الرئاسية هو موضوع الهجرة الفائق الأهمية.

نتحدث عن كامالا هاريس بغض النظر عن نوعية القرار الذي سيتخذه جو بايدن، لأن كامالا هاريس، منطقياً، ستكون أول رئيسة للولايات المتحدة الأميركية إذا انتصر الديموقراطيون في هذه المعركة الانتخابية. فإذا أصرّ جو بايدن على أن يبقى مرشح الديموقراطيين وفاز، سترافقه كامالا هاريس لأربع سنوات مثقلة بتدهور ملحوظ في وضعه الصحي. وإذا وافق جو بايدن على عدم الترشّح، فليس أمام الحزب الديموقراطي سوى كامالا هاريس كمرشح منطقي ونحن على بعد شهر واحد من مؤتمر الحزب الديموقراطي الذي يتقدم رسمياً بترشيح مرشحه للرئاسة.

بالطبع، إن جو بايدن باقٍ في البيت الأبيض رئيساً إلى حين انتهاء ولايته رسمياً حتى إذا تنحى عن ترشيحه لمصلحة هاريس أو غيرها. الأرجح أن تلك ستكون سابقة لمجرد أن بايدن سيكون قد اضطر للخضوع لما يريد قادة الحزب رغماً عن رغبته بالبقاء رئيساً لفترة أربع سنوات إضافية. سابقة دعم نائبته لتحل مكانه فيما كان اعتبرها دائماً نائباً وليس شريكاً له أو بديلاً منه في الرئاسة الأميركية.

سنسمع الكثير من الأخبار عن الحزب الديموقراطي في الأسبوعين المقبلين، وسيضطر كل من الحزب الديموقراطي والحزب الجمهوري إلى المراجعة اليومية والدقيقة لاستراتيجية حملته الانتخابية على وقع كل حدث وحديث، وربما حتى تسويق مضلّل عمداً لفكرة هنا وفخ هناك. وستزداد المعركة حماقة وربما قذارة ما بعد مؤتمر الحزب الديموقراطي في 19 آب (أغسطس) المقبل.

اسم كامالا هاريس ليس وحده المطروح كمرشح بديل من جو بايدن إذا تنحى. فالقائمة طويلة، لكن الكلفة المالية والميزانية المطلوبة التي تقارب المليار دولار تجعلان شبه مستحيل على الأسماء الأخرى المطروحة أن تنافس كامالا هاريس لأن الأموال الموجودة الآن في “صندوق” جو بايدن يمكن شرعياً استخدامها لحملة كامالا هاريس. وهذا أمر فائق الأهمية. لكن شخصية كامالا هاريس مثيرة للجدل داخل صفوف كبار الديموقراطيين الذين لديهم وسائل التأثير على خيارات الحزب. وهناك بينهم مَن يؤمن بأن من المستحيل على كامالا هاريس أن تفوز على دونالد ترامب مهما فعلت لأن شخصيتها ضعيفة وقدراتها محدودة، بحسب رأي هؤلاء الذين يعارضون ترشيحها.

هناك داخل الحزب الديموقراطي مَن يفضّل حاكم ولاية كاليفورنيا جافين نيوسوم البالغ من العمر 56 عاماً، وهؤلاء يؤمنون بأنه قدير وقادر على حشد الدعم والتأييد والتواصل مع الناخبين وجمع الأموال، لا سيما أنه من عائلة ثرية.

صيغة هاريس – نيوسوم أو صيغة نيوسوم – هاريس، بمعنى أي منهما أفضل كمرشح للرئاسة أو كمرشح لنائب الرئيس، أمر يتناقش فيه الديموقراطيون. الأموال تلعب دوراً ضخماً نظراً إلى قصر الوقت وقواعد جمع الأموال للحملات الانتخابية. لكن القيادة والقدرة على هزيمة دونالد ترامب هما ما تشغلان بال الديموقراطيين ولهما الأولوية.

بين النساء اللواتي تُذكر أسماؤهن هي الديموقراطية غريتشن ويتمير (52 عاماً) وتأتي من ولاية ميتشيغان. وكان اسم زوجة الرئيس السابق ميشال أوباما قد ذُكِرَ لكنه زال الآن. ومن بين التكهنات أن البعض في القيادة الديموقراطية يفكر بورقة كامالا هاريس لمنصب الرئاسة وهيلاري كلينتون لمنصب نيابة الرئيس. كل شيء وارد في عالم الشائعات، لكن لورقة نسائية دفعاً جديداً من نوعه سيفرض – إذا حدث – عملية جراحية رئيسية على استراتيجية الحزب الجمهوري وليس فقط الحزب الديموقراطي.

الحزب الجمهوري مرتاح جداً مع نفسه هذه الفترة في ما بعد أعجوبة نجاة دونالد ترامب من محاولة اغتياله وفي أعقاب ترشيح جي دي فانس لمنصب نائب الرئيس (39 عاماً). هناك كلمة في قاموس ترامب وجدها بايدن في هاريس وهي: الولاء. كامالا هاريس معروفة بولائها القاطع لجو بايدن. دونالد ترامب اختار جي دي فانس معتمداً على صفة الولاء القاطع الذي يتوقعه منه. فترامب لا يريد من فانس أن يكون الرئيس – الشريك بل يريد منه الولاء بصفته نائباً للرئيس الوحيد دونالد ترامب.

أثناء الحملة الانتخابية سيكلّف المرشح الرئاسي الجمهوري نائبه بمهمات عدة معظمها داخلي لأن الانتخابات الرئاسية ستركز بالدرجة الأولى على القضايا المحلية التي تهم الناخب الأميركي، من الهجرة إلى الإجهاض إلى الضرائب إلى الأمن الوطني. الحملة الانتخابية ماكينة ضخمة يقوم على فكرها وتنفيذها الآلاف، لكن العقل المدبر في حال الجمهوريين هو دونالد ترامب الذي تغيّر بعض الشيء بعد اقترابه من الموت، لكننا لا نعرف بعد إن كانت هذه التجربة ستترك عليه أثراً عابراً أو ستغيّر الرجل في الصميم ليكون قائداً عاقلاً وحكيماً للولايات المتحدة الأميركية وليس زعيماً للانقسام.

سيضطر دونالد ترامب لتناول ملف أوكرانيا كإحدى أولويات السياسة الخارجية، لأن الأمر يتعلق بالأمن القومي الأميركي والقيادة الأميركية للعالم. حلف شمال الأطلسي (الناتو) ليس حلفاً يريد دونالد ترامب تمزيقه كما يعتقد البعض الذين يتوقفون عند انتقاداته لمساهمات دول الناتو المالية التي يعتبرها ضئيلة ومطالبتها بالتوقف عن الاعتماد على الأموال الأميركية. دونالد ترامب ليس محبوباً لدى دول حلف الناتو بل إن هذه الدول تقدّر وتثمّن قيادة جو بايدن لهذا الحلف أثناء أحلك أوقاته، أي بعد بدء العمليات العسكرية الروسية في أوكرانيا، كما أسماها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين متجنباً كلمة الحرب.

توسيع هوية القوة وتمكينها بقيادة أميركية واضحة لحلف شمال الأطلسي هما إنجاز للرئيس جو بايدن قد يقرر الرئيس السابق دونالد ترامب الاستفادة منه للبناء عليه بطريقته الخاصة. اليوم، يبدو ترامب ونائبه فانس من الصقور في معارضة، أو على الأقل في انتقاد، رئيس أوكرانيا فولوديمير زيلينسكي. هذا سيتغيّر، وإذا فاز ترامب بالرئاسة فسيسعى لأن يجد حلولاً لحرب أوكرانيا عبر تشجيع زيلينسكي وبوتين على التنازلات والحلول الوسط.

سيكون الأمر في غاية الصعوبة والتعقيد، لا سيما أن الناتو يدخل حالياً إلى مرتبة خطيرة جداً مع روسيا بسبب مبدأ السماح لأوكرانيا باستخدام الطائرات الغربية في عمق الأراضي الروسية. لذلك علينا أن ننتظر لنرى ماذا سيحدث في الأشهر الأربعة المقبلة. لكن ترامب لن يجعل من زيلينسكي عدواً، بل سيسعى للتقرب منه بمخابرة هاتفية مثلاً ليطمئنه إلى أن رئاسته لن تتخلى عن أوكرانيا.

“الفورميلا” التي في جيب ترامب لمعالجة جذرية للحرب الأوكرانية سيكشف عنها لاحقاً. لكن بات معروفاً أن بعض عناصرها يرتكز على تنازلات أوكرانية وتنازل الناتو عن عضوية كاملة لأوكرانيا في الناتو مقابل انسحاب بوتين من أوكرانيا وإيجاد صيغة للأراضي التي تزعم روسيا أنها لها. فالمهم لترامب هو وقف تلك الحرب واستعادة بعض الحالة الطبيعية إلى العلاقات مع روسيا بدلاً من تصنيفها عدوّاً دائماً كما فعل الناتو أخيراً. دول الناتو لا تثق بدونالد ترامب وتقلّب طبيعته وهي تخشى على مصير ما أنجزه لها بايدن وتعتبره قوةً لها. لكن السؤال الذي سيطرحه دونالد ترامب على أوروبا هو: هل تريدون الاستمرار في وضع يضع أوروبا على حافة حرب نووية، أم تريدون الحلول الخلاقة؟

ترامب سيكون قائد سفينة السياسة الخارجية، لكنه سيحيط نفسه بفريق من نساء ورجال ولاؤهم له ولفكره وعقيدته ولما أصبح يسمى “ماغا” أي عنوان: لتجديد عظمة أميركا. مهم جداً التنبه لمن سيختاره لمنصب مستشار الأمن القومي، وزير الدفاع، أو وزير الخارجية. ليس واضحاً إن كان سيولي أياً من هذه المهمات إلى سفيرته السابقة إلى الأمم المتحدة نيكي هايلي التي زاحمته على منصب الترشح الجمهوري وكسبت منه بعض الكراهية نحوها. واضح أنه يقدّر مثلاً سفيره السابق لدى ألمانيا ريتشارد غرينيل، المعروف عنه خبرته الواسعة في السياسة الخارجية وولاؤه القاطع له.

إيران ستكون مهمة وبارزة على رادار الحزب الجمهوري وبالذات دونالد ترامب، ليس فقط لأن إيران بحد ذاتها لها أهمية بالغة لدى ترامب من ناحية الملف النووي، إذ إنه الرئيس الذي ألغى الاتفاق النووي الذي أبرمه الرئيس السابق باراك أوباما مع طهران. السبب الآخر هو أن دونالد ترامب يريد الاستغناء عن سياسة جو بايدن القائمة على إرضاء إيران واسترضائها كوسيلة لمنع توسع حرب غزة إلى حرب إقليمية.

دونالد ترامب يعارض أيضاً غض نظر إدارتي أوباما وبايدن عما يعتبره رجال طهران حقهم باستخدام الميليشيات في لبنان والعراق واليمن وسوريا كجزء من عقيدة النظام. ترامب يلوم فريق أوباما – بايدن على تمكين طهران من تمويل هذه الميليشيات وتمكينها، بما فيها حركة “حماس”، ما أدّى إلى عملية 7 تشرين الأول (أكتوبر) ومن ثم حرب غزة.

مشكلة ترامب أنه قد يعرف تماماً ما هو الداء لكن الدواء الذي يصفه يبدو أحياناً أنه مسكن فقط. فهو ليس جاهزاً لدخول الولايات المتحدة الأميركية طرفاً في حرب على إيران، إما لأسباب نووية أو بسبب ميليشياتها. إيمانه هو أن الإفلاس هو الوسيلة الناجحة في تحجيم قدرات إيران وأذرعها.

المثال الآخر هو إسرائيل. دونالد ترامب لا يطيق بنيامين نتنياهو رئيس الوزراء الإسرائيلي الذي يقوم بمجازر ضد المدنيين الفلسطينيين في غزة ويريد استمرار الحرب لأنه بعد انتهائها سيواجه المحاكمات. رغم ذلك يتحدث دونالد ترامب بلغة استخدمها مع بايدن عندما قال له أثناء المناظرة: دع إسرائيل تُكمل مهمتها. وكان يتحدث عن كيفية القضاء على “حماس”. بذلك ترك الانطباع بأنه لا يبالي بكلفة المجزرة على المدنيين الأبرياء، فالمهم إنجاز المهمة.

القاسم المشترك لربما بين فريقيّ بايدن وترامب هو أنهما يفضّلان ألا تقع حرب بين إسرائيل ولبنان تؤدي إلى تدمير لبنان برمته وليس فقط إلى تدمير “حزب الله”. أما إذا وقعت تلك الحرب فستُسمى حرباً بين إسرائيل و”حزب الله” ولن يقوم أي من المعسكرين بردع إسرائيل عنها بل سيدعمانها وإن اختلفت الأساليب.

كلمة أخيرة، وعودة إلى كامالا هاريس التي لم تبد بالأمس القريب ضالعة في الشؤون الدولية، يجدر التأكيد أنها محاطة بمحترفين محترمين من أمثال مستشار الأمن القومي لنائب الرئيس فيليب غوردون الذين يعرفون خفايا السياسات الدولية. فهي قابلة للتدريب والإرشاد وبسرعة.

لعل اللافت قد يكون في مفاجأة تأتي من الشرق الأوسط، بالذات من حرب غزة، إذا تمكنت إدارة بايدن من احتوائها. زخم إنجاز كهذا له أثره. لكن للأسبوع المقبل، فإن المفاجآت قد تكون في تفاصيل زيارة بنيامين نتنياهو واشنطن، لا سيما إذا رافقها أو سبقها توسّع الحرب إلى الجبهة اللبنانية – الإسرائيلية مع أنه حالياً مُستبعد.

* نقلا عن “النهار العربي

زر الذهاب إلى الأعلى