مقالات وآراء

من سيحسم الصراع الديني والسياسي في إسرائيل؟

طارق فهمي

مع استمرار مكونات الائتلاف الحاكم في إسرائيل، وعدم وجود أي فرص لتغيير المعادلة الإسرائيلية الراهنة، فإن السؤال المطروح، هل نحن بالفعل أمام صراع ديني أم سياسي؟ مكونات الائتلاف اليميني تعمل تحت مظلة أمنية وسياسية واضحة، وبدعم من مراكز القوى في المجتمع الإسرائيلي، والتي تعمل من خلال مقاربة محددة، وفي إطار صراع محسوم مقدماً للتيار الديني المتصاعد في الدولة منذ أكثر من عشر سنوات، وفي ظل غياب كامل للوسط واليسار والمعتدلين في الأوساط التكنوقراطية والنقابات والمجتمع المدني الذي تقوقع حول نفسه إزاء هذا التصاعد الكبير لليمين، والذي سيذهب بإسرائيل إلى مساحات كبيرة من الصدامات والصراعات الممتدة نتيجة ما يقوم به من محاولات لخطف الدولة وتوجيه مسارها، وهو ما قد يستكمل بالفعل في الفترة المقبلة، في ظل تمسك رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو بخياراته، وعدم القبول بالتهدئة في الجنوب «غزة»، أو الشمال «لبنان».
ومن ثم فإنه لا توجد مشكلة، وفقاً لرؤية اليمين في الصعود بالدولة إلى قمة التل، ومواجهة أي طرف وحسم الصراعات وليست إدارتها، وبالتالي فإن توقع أن ما سيجري خلال الفترة المقبلة، سواء في استخدام مزيد من القوة في غزة، ونفي الآخر، وحكم القطاع بصورة مباشرة سيكون على رأس الأولويات المطروحة، وفي إطار صراع مفتوح على خيارات صدامية لا وجود فيها لأي سيناريو تهادني، ومن ثم فإن اقتحام المسجد الأقصى وارد، وإتمام زيارات من قبل وزراء اليمين للمقدسات الإسلامية والمسيحية مطروح، ما قد يفجر الموقف في أي لحظة خاصة مع تهديدات وزراء المستوطنين في حكومة نتنياهو بالانسحاب من الحكومة، مع أي تنازل قد يقدم عليه رئيس الوزراء نتنياهو، أو حتى وقف العمل العسكري في الجنوب والشمال.
ويبدو واضحاً أن اليمين الإسرائيلي تحول إلى يمين عسكري، وليس فقط إيديولوجياً يسعى لإدخال إسرائيل في مواجهة كاملة، والعمل على استراتيجية بمكونات جديدة للتعامل، ومنها وكالات ومؤسسات دولية يشكلها اللوبي اليهودي في الخارج، ومؤسسات مانحة تقدم الدعم تحت مراقبة واشراف إسرائيلي، إضافة إلى إنشاء سلطات مختلفة لا تحظى بدعم أو قبول دولي مثلما هو الجاري في حالة طرح حكم العشائر بديلاً عن السلطة الفلسطينية الممثل الشرعي الوحيد للسلطة الفلسطينية، ما يعني أن اليمين الإسرائيلي، ومكونات الائتلاف تتحول إلى يمين سياسي وعسكري لافت يعمل في اتجاه محدد يستهدف حماية أمن إسرائيل من الدعاوى التي تنطلق تحت مسمى القبول بالتهدئة والعمل مع الآخر، والتي ترى إسرائيل أنه غير موجود، ولا حاجة لإسرائيل للتعامل معه، ومن ثم فإن هذا اليمين يتحرك في دوائر عدة من أجل الحفاظ على وجوده، واستثماراً لعدم وجود أطراف وازنة يمكن أن تحدث توازناً، ولو شكلياً يعمل في اتجاه محدد برغم ما يجري من حالة عدم رضا عام لبعض مواطني الدولة، وبعض من جمهورها الذي يطالب بالتهدئة، وإتمام صفقة تبادل المحتجزين، والإفراج عن بعض الأسرى، والمرور الآمن من الأزمة، مع استمرار المخطط السياسي والديني بكل أبعاده.
ووفق هذه المعطيات، يبدو التأكيد على وجود تجاذبات بين مكونات اليمين داخل الحكومة الإسرائيلية وخارجها غير صحيح في إطار الطريق الواحد التي تمضي فيه إسرائيل، وتعمل من خلاله على تكريس حضورها الراهن في المنطقة برغم حالة الانكسار التي يعاني منها الجمهور الإسرائيلي، والذي يحتاج إلى استعادة الثقة في مؤسسات الدولة وأجهزتها، خاصة العسكرية، ما يتطلب بالفعل تعاملاً من نوع آخر.
في المجمل ستظل الصراعات الدينية في مجتمع اليمين قائمة وغير حاسمة، ولكنها في حاجة إلى ضوابط متماسكة للتعامل، ومواجهة الخيارات السياسية التي تعمل فيها النخبة السياسية في الأحزاب، وهي نخبة دينية في الأساس خرج عناصرها من رحم حركات العنف والعنصرية من نوعية حركتي «مائير كاهانا»، و«كاهانا حي»، ما يؤكد أن إسرائيل ستظل تقطع الطريق في اتجاه التطرف، ونفي الحق الفلسطيني، والعمل على تكريس خطاب إعلامي وسياسي محدد، والاتجاه دائماً للحلول الجزئية وقت التعثر والأزمات، وهو ما جرى في المراحل الأولى للحرب في قطاع غزة.
ليس بمستبعد إذن أن تتجه إسرائيل إلى فرض خياراتها، انطلاقاً من بواعث دينية بحتة – وتكريساً لاستراتيجية البقاء بالذهاب إلى الضفة، وإعادة احتلالها برغم كل ما يجري داخل إسرائيل، خاصة أن التأكيد على رغبة إسرائيل في الوجود في غرب الأردن، وفي الأغوار تحديداً لا يعني أن إسرائيل قد تسلم بالتنسيق الأمني مع أجهزة السلطة الفلسطينية وكفى، فهي ستعمل على فرض خياراتها الأمنية والاستراتيجية بإجراءات انفرادية، ودون اعتماد على أحد حتى لو تطلب الأمر استمرار الحرب في الشمال، أو الدخول في مناطق السلطة، وعدم الالتزام باتفاق أوسلو أصلاً. لا يوجد بالفعل أي صراع في المستويين الديني أو السياسي داخل إسرائيل، فكلاهما يخدم الآخر، ويعمل على صياغة أولويات في ظل لحظات فارقة في عمر الدولة، حيث بات الأمر مرتبطاً بمسألة وجود لا حدود.

* نقلا عن “الاتحاد

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط.

زر الذهاب إلى الأعلى