مقالات وآراء

د. نداء فريد حامد تكتب..  أزمة أخلاق في عصر التكنولوجيا

د. نداء فريد حامد ـ “”استشارى أسرى وتريبوى”
بقلم.. دكتورة. نداء فريد حامد
شهد المجتمع المصري في الاونة الاخيرة مجموعة من التغيرات السياسية والتكنولوجية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية وغيرها وحتي الأن من حيث عمقها واتجاهاتها ونتائجها والتى أثرت بشكل مباشر على النسق القيمى لدى أفراد المجتمع بصفة عامة وعلى الشباب بصفة خاصة .
​احتلت القيم مكانة هامة فى حياة الفرد والمجتمع فلها أهميتها بالنسبة للشباب فتعمل على وقايتهم من الانحراف وتساهم فى بناء شخصيتهم، وقدرتهم على التكيف مع الحياة ومشكلاتها.
​لذا تعرضت منظومة القيم الاجتماعية إلى هزات أو تحولات غير مرغوب فيها أو انتابها نوع من الخلل نتيجة عوامل وظروف محددة تدهورت أحوال البشر وعم الفساد فى الأرض وشعرالافراد بفقدان التوازن وعدم الثقة وضياع الرؤى وانتابت البشر حالة من الإحباط والعجز وعدم الرضى والقلق والتوتر وشاعت بين الناس حالة من التردى والوهن وسادت الفوضى الأخلاقية والسلوكية وفقد النظام الاجتماعى قدرته على البقاء والالتزام وضعف لديهم الشعور بالإنتماء للوطن كل ذلك يعنى الإحساس بوجود أزمة.
وقد أثرت هذه التغيرات بشكل مباشر على القيم الأخلاقية لدى أفراد المجتمع بصفة عامة وعلى الشباب بصفة خاصة وأدت ما يسمى بأزمة القيم الأخلاقية.
وترجع الأزمة الأخلاقية والسلوكية إلى عوامل داخلية، وعوامل خارجية، فالعوامل الداخلية مرتبطة بالبنية الداخلية للمجتمع المصرى وهى نتاج لعوامل مادية، حيث المشكلات الاقتصادية التى تواجه الناس خلال مسيرة حياتهم المعيشية وتقف حائلاً أمام احتياجاتهم الأساسية.
فالفقر والبطالة وارتفاع الأسعار وانخفاض الدخول وقلة الخدمات وزيادة مستوى المعيشة والقهر المادى والاستغلال الاجتماعى وعجز الأفراد عن تدبير أمور حياتهم المعيشية، كل ذلك يؤدى إلى تشكيل أنماط سلوكية لا معيارية ويخلق نوعاً من الخلل الذى يتفاقم عبر الزمن بل قد يصل إلى خلق أشكال من الانحراف حيث يحاول كل فرد البحث عن وسائل غير مشروعة للتغلب على تلك المشكلات المادية والضغوط الناتجة عنها. ​
وبالإضافة إلى العوامل المادية، هناك عوامل غير مادية تلعب دوراً هاماً فى تكوين الظواهر الاجتماعية المرضية من أهمها الفساد والتسيب واللامبالاة وعدم الانضباط والفوضى الأخلاقية وزيادة العنف والتطرف بأشكاله المختلفة، وظهور أنواع من الجرائم المنظورة وغير المنظورة كالرشوة والبلطجة وغيرها من الأفعال التى تدل على تدهور القيم الاجتماعية وتحولها من قيم إيجابية بناءة إلى قيم سلبية تضعف من قدرات البشر وتهدم كيانات المجتمعات البشرية.
أما العوامل الخارجية فتتمثل فى الثورة العلمية والتكنولوجية حيث جعلت العالم أكثر اندماجاً أحدثت تغيرات أساسية فى الطريقة التى ينظر الناس بها إلى أدوارهم وأبرز جوانب الثورة العلمية فى الحاسوب والإنترنت والمحمول . ​
وقد أثرت الثورة العلمية والتكنولوجية على الشباب فأصيب بعدم القدرة على الاستقرار فى القيم الموروثة، والمكتسبة، ضعف القدرة على الاختيار بين القيم المتضاربة، عجز عن تطبيق ما يؤمنون به من قيم، مما سبب له أزمة قيمية دفعت بالشباب بالثورة على قيم المجتمع واغترابهم عن القيم التى جاءت بها الثورة العلمية والتكنولوجية.
كما أثرت الثورة العلمية والتكنولوجية على قيم الشباب فانتشرت سلوكيات مشتركة منها الثقافة الاستهلاكية، أغنيات شبابية، ملابس عالمية، أفلام عنف، تنميط الأذواق، تقولب السلوك، ثقافة المخدرات، وقد أفرزت عدة مشكلات منها انتشار الجرائم، البلطجة، وتدهور مستوى المعيشة، تقليص الخدمات الاجتماعية التى تقدمها الدولة، اتساع الفجوة بين الفقراء والأغنياء .
وأيضا أثر الإعلام بما يملكه من قوة تأثير كبيرة وخاصة بعد ظهور الفضائيات وما يسمى بالسماوات المفتوحة على قيم الشباب ، وانتشار ثقافة الاستهلاك نتيجة الانفتاح، والهجرة للخليج بالإضافة إلى انتشار المخدرات، تمجيد كل ما هو أجنبى وتحول الشباب إلى اتساق عالمى متحرر.
يتضح مما سبق أن العوامل الداخلية المرتبطة بالبنية الداخلية والعوامل الخارجية المتمثلة فى الثورة العلمية والتكنولوجيا وآلياتها المختلفة أثرت على قيم المجتمع واصبح لدينا أزمة اخلاقية.
فلابد من تشجيع وتضافر عدة مؤسسات تربوية لها دور هام وفعال في رسم معالم تربية الفردوتكوين وتوجيه قيمة الاخلاقية علي نحو من الصلاح وتتمثل ادوارتلك المؤسسات في التالي: ( الأسرة ، المدرسة
، دور العبادة، وسائل الاعلام، جماعة الرفاق ) تعد الاسرة من اقوي العوامل والوسائط التربوية التي تؤثر إيجابيا او سلبيا في تنشئة ابنائهاوذلك من خلال:
  1.  إشباع حاجات الطفل الذي يساعد اكتساب القيم الايجابية وتكوين شخصية متوزانة اجتماعيا واخلاقيا.
  2. تهيئة المناخ المناسب داخل وخارج المنزل اي جو اسري قائم علي الحوار والانصات ومشاركة الابناء في اتخاذ القرات وتدعيم الثقة بالنفس والتفاعل واقامة علاقات وخبرات مع البيئة الخارجية
  3. تمسك الاسرة بالدين كلما تمسكت بالدين كلما كانت اكثر تمسكا بالقيم الاخلاقية ولها اثر كبير علي افرادها.
  4. مستواها التعليمي يؤثر تاثير كبيرا علي القدرة علي ادارة افرادها والتاثير علي قيمهم .
  5. العلاقات الطيبة المتماسكة داخل الاسرة تساعد علي غرس القيم الايجابية والتمسك بها .
فالمدرسة هي المؤسسة الثانية بعد الاسرة التي تؤثر في التنشئة الاجتماعية ولها دور جيد من خلال مايلي :
  •  اختيار اعضاء هيئة التدريس وفقا لشروط معينة ومؤهلين علميا وتربويا لتحقيق عملية التربية والتعليم.
  • اهداف المدرسة تنبع من ثقافات وحاجات المجتمع ومع مايناسب ميول وحاجات الطلاب .
  • امتلاك المدرسة للمقومات التي تساعد علي اداء رسالتها من وسائل واساليب وادوات التي تساعد علي تحقيق التربية السليمة والتعلم الفعال .
  • إن التربية داخل المدرسة موجهة لجميع ابناء المجتمع مما يساعد علي التماسك الاجتماعي واكسابهم قيم واحدة.

أمادور العبادة له دور كبير في عملية التربية الاخلاقية للفرد من خلال الآتى:

  1. إعداد متخصصين فى دور العبادة إعدادا ربويا ودينيا للتوجيه السليم لأفراد المجتمع.
  2. مكتبات وندوات وأمسيات ثقافية بصفة دورية لإعادة وبناء القيم الإيجابية فى أبناء المجتمع.
  3. تفعيل دور العبادة فى كل المناسبات الاجتماعية.
  4. إكساب وتنمية القيم الأخلاقية للناشئين والكبار.

وتعد رسائل الإعلام من أقوى المؤسسات التربوية التى لها أثر كبير فى الوقت الحاضر، ويتضح ذلك من خلال:

  • الوسائل المسموعة والمقروءة و المرئية لها دور كبير فى التثقيف والتعليم والتوعية
  • ربط الفرد والمجتمع بعقيدته من خلال الحديث والقصة والمسرحية والتمثيلية التى تنمى القيم العلية والأخلاق الفاضلة والبعد عن الانحراف والجريمة والسقوط
  • تساعد الأفراد باختلاف أعمارهم وأمدادهم بالثقافات اللازمة والمعارف المفيدة والعلوم والفنون التى تنمى قدراتهم وتثقلهم علميا وفكريا وثقافيا

والرفاق من أهم الوسائط تأثيرا على قيم الفرد الأخلاقية وليتحقق ذلك يجب الآتى:

  • دعوة الآباء والأمهات والمربين إلى العناية بتوجيه أبناءهم إلى اختيار الرفقاء الصالحين دينا وخلقا وسلوكا، حتى يقتدوا بهم ويكتسبوا منهم الصفات الحميدة والأخلاق الفاضلة
  • تجنب مخالطة الشرار حتى لا يقلدونهم  ويسلكوا طريق الاعوجاج
  • الرقابة والمتابعة المستمرة وتالتوجيه والإرشاد والحوار البناء للأبناء

قد تكون الكلمات صادمة، وقد تكون نوعا من جلد الذات، لكن يجب أن نقول وبوضوح:” إننا أصبحنا مجتمعا بلا أخلاق”.. نعم، انهارات الأخلاق فى بعض فئات وطبقات المجتمع ـ وفقدان فكرة التراحم بين المصريين ـ لكن الأمور انهارات ووصلت إلى انهيار الأخلاق على جميع المستويات، فأى شعب عنوانه الأساسى هو الأخلاق والتراحم بين الناس والأخلاق أساس بناء الدول.

 

زر الذهاب إلى الأعلى