الكويت.. على دروب الانطلاق

مع العهد الجديد من المفيد استذكار الحقائق التي تنعش الوطن، والتي تشكل أعمدة الأمن والاستقرار فيه، مع الأمل بتحقيق جزء منها:
أولاً: حتمية الوحدة الوطنية وصلابتها، وممكن الإشارة إلى أن المصداقية المرتبطة بعهد المرحوم الشيخ نواف الأحمد، طيب الله ثراه، عمقت كثيراً أعمدة الأمن وزادتها متانة، وأثمرت عبر التوافق الشعبي المتين القائم على احترام الدولة والالتزام بقواعدها كما دونها التاريخ، والاعتزاز بماضيها، والإيمان بمستقبلها، وبلا مبالغة فالحس الوطني الكويتي ظل دائماً وفياً لتراب الوطن وتراثه، متفائلاً بمستقبله.
ثانياً: لا داعي للتذكير بأن موقع الكويت الإقليمي، ومحتوياتها الجغرافية، وصغر حجم مساحتها، ومحدودية عدد مواطنيها، تفرض حاجتها إلى شركاء استراتيجيين تلتقي مصالحهم مع تمنياتها، يشاركونها الدور في الحفاظ على سلامتها الإقليمية وتعميق استقرارها وتأكيد أمنها، فتواجد الرادع الشريك مطلب حتمي، من دونه يغيب الاطمئنان وتتجدد مخاوف حول كارثة الغزو في تسعينيات القرن الماضي.
وهنا نشير إلى ضرورة إبراز الوفاق الوطني والانسجام الدائم مع هذه الحقائق، وجعلها عنصراً مهماً في ترسيخ استراتيجية البقاء، معززة بدعم شعبي كاسح.
ثالثاً: سلامة التشاركية في إدارة الدولة، كما خطها الشيخ عبدالله السالم بين الشعب والشرعية الدستورية، وكما حددها الدستور، هي وثيقة المبايعة والمشاركة، تعزز دور المؤسسات التشريعية والقضائية وتنظّم القواعد التي يستهدي بها مسار الدولة، ونستذكر دائماً أن الدستور يتمتع بحماية جماعية، معبراً عن إرادة شرعية وشعبية تصون حقوق جميع الأطراف، ومنها ينبع الاعتزاز بقدسية الوطن.
رابعاً: استقلال القضاء والتزام الجميع باحترام كلمته، وتكريس الإيمان بالمساواة بين أبناء الشعب، وملاحقة الفساد واجتثاث شبكاته، وإبراز إنسانية الكويت وحرصها على الإسهام في صون كرامة الإنسان عبر مساهماتها وتواجدها في المنظمات المختصة، في تواصل مع الخطوط التي رسمها المرحوم الشيخ صباح الأحمد، الذي استحضر الكويت في التجمعات الإنسانية العالمية، واستحق بذلك لقب أمير الإنسانية.
خامساً: لا مفر من الانطلاقة التنموية، التي يتوقع شعب الكويت حدوثها، تماشياً مع ضرورات التطور، للالتحاق بالركب الخليجي الذي تخطى التوقعات في مساره، مع ضرورة اتساع المسارات الكويتية في البنية التحتية، مع التحديث التكنولوجي والانفتاح الاقتصادي وتشجيع المبادرات التي يريدها القطاع الخاص، وتخلّص الدولة التدريجي من تملك الشركات وطرحها للمشاركة الشعبية، امتثالاً لتوسيع دور القطاع الخاص في الاقتصاد.
سادساً: هناك نقد واسع لواقع التعليم في الكويت، خاصة مع استمراره في اتباع النهج القديم في عجزه عن الانسجام مع التحولات الحديثة، هناك ضرورة لتحفيز العقل وتشجيع المبادرات والتنقيب عن وسائل يأخذ الذكاء فيها دوره، مبتعدين عن غلاظة الحفظ، وقد تعاظم النقد لواقع الكويت التعليمي، الذي لم يتجاوب مع التحولات العالمية في فنون التعليم، رغم تكرار الرغبة في التجديد من دون فاعلية.
سابعاً: أشار سمو الأمير الشيخ مشعل الجابر إلى ملابسات التجنيس، وباعتباره أهم مدخل للهوية الوطنية وأخطر الممرات لاحتمالات التسلل إلى الجبهة الوطنية الداخلية، وهي أقوى أسلحة الكويت في الأمن والاستقرار، مع اكتشافات التزوير في الهوية – عبر الشراء – تخرج إلى النور وبالصدفة، في معظم الأحيان، لمسببات كثيرة، أقساها جسارة شراء الجنسية، وتكتمل بإدخال أبناء المشتري في ملف المواطن المنعدم الضمير، الذي في أغلب الأحيان، انضم إلى ركب الكويتيين عبر آليات غامضة.
وكل ذلك يستدعي فتح هذا الملف الأخطر مع استقصاء الحقائق وكشف المستور، مع إجراءات تتناسب مع واقع كل حالة.
نحن نرهن سلامة الجبهة الداخلية على مقومات تاريخية في ولاء المواطن للتربة الكويتية وغيرته عليها في صون سلامتها، معتزين بالموقف الجماعي المتصدي للغزو اللئيم.
ثامناً: ومن أهم شروط الانضباط في مسار الدولة، احترام الصلاحيات، وعدم العبور إلى صلاحيات تخص السلطة التشريعية أو السلطة التنفيذية، فالدستور رسم الحدود بين السلطتين، ورغم ذلك، لا يسلم فضاء السلطة التنفيذية من مساعي بعض الأعضاء للعبور إلى حقوق الحكومة في التعيينات وفي الترقيات، وحتى في الملفات الأمنية الحساسة، مثل ملف الجنسية.
ولن يحمي كل طرف من إزعاجات الطرف الآخر سوى الالتزام بخطوط الصلاحيات وحماية القانون، ولا شك بأن هناك دوراً كبيراً لرئاسة مجلس الوزراء أو لمجلس الأمة في صون حقوق الجانبين من دون تسلط أي طرف.
تاسعاً: جميع أبناء الكويت يتوقعون من الحكومة طرح خطة شاملة تضم مسارين مهمين من مسارات التنمية، الملف التنموي الاقتصادي، وملف النهوض بالبنية التحتية، لاسيما الطرق، مع مراعاة التدرج، فالمهم أن تخرج الكويت إلى أبواب الانطلاق، وتستنشق نسيم التجديد، وتبدأ بتوظيف إمكاناتها للبدء في التطوير الاقتصادي، مع انسجام خطواته مع متطلبات الجديد في البنية التحتية، فهناك شغف كويتي حاد لتجاوز الجمود الذي استولى على نفوس الكويتيين وأربك طموحاتهم، وقيّد حراك دولتهم.
عاشراً: تظل التركيبة السكانية أكبر منابع القلق المزعج للدولة الكويتية، لأهلها ولمنظورها المستقبلي، فمهما كان نشاط وزير الداخلية وجهازه، تظل الكويت في حالة انزعاج أمني متواصل، طالما تظل نسبة المواطنين أقل من نصف السكان، ونعترف بأن تحقيق الأمل بالوصول إلى النسبة المطلوبة يستغرق وقتاً طويلاً، وقد لا يتحقق، ويبقى القلق الأمني مخيماً على الأجواء الداخلية.
كما هناك ضرورة لبرامج التثقيف لضرورات التوازن، ومنها تحديد الأولويات في التوسع الاقتصادي، مع الاستفادة من الشركات العالمية القادرة على تنفيذ المشروعات الإسكانية وبناء الطرق الحديثة، والاستغناء عن الشركات المحلية التي تعتمد على استيراد عمالة لن تعود إلى مكانها.
حادي عشر: يبقى مجلس التعاون ساحة الكويت سياسياً وعسكرياً وتجارياً وفي كل شروط البقاء، مشاركاً وحامياً، وقد جاءت تجربة الغزو اللئيم لتوثق في سجل تاريخي دائم البقاء حقائق مجلس التعاون في صون استقلال الدول، لاسيما الكويت، والتي يشكل مجلس التعاون عمقها الجغرافي والاستراتيجي الشامل، ويظل المجلس ظهر الكويت الواقي.
ثاني عشر: تبدلت الأولويات في دبلوماسية الكويت وتحركت من الاستناد على القيم الأخلاقية العالية، التي تتسيد العلاقات بين الدول العربية واحترام السيادة في ما بينها، إلى الاعتماد على الرادع المرئي والبارز في حضوره وفي فعاليته، مع الالتزام بقرارات الجامعة العربية، والمساهمة في تفعيل مسارها والحفاظ على علاقات عربية جماعية بناءة، لاسيما في المشاورات السياسية حول القضايا العربية والعالمية، والدفع للمزيد من التعاون في مجالات التجارة، والترابط الثقافي، مع إدراك واقعي لإمكانات الجامعة، وعدم تحميلها ما لا تقدر على توفيره، مع احترام التباين في سلم الأولويات بين الدول الأعضاء.
ثالث عشر: أشير إلى طبيعة العلاقات مع الشركاء الاستراتيجيين، بريطاينا والولايات المتحدة، التي تفرض التواصل، ليس في المشاورات السياسية ولا في المزيد من الاستثمار والتجارة والثقافة، وإنما هناك استحقاقات للتواصل الشعبي بيننا وبين المؤسسات السياسية والفكرية والثقافية داخل بريطانيا والولايات المتحدة، وضرورة التواصل مع مختلف المؤسسات من جامعات ومنتديات فكرية، مع زيارات، لاسيما إلى الكونغرس، ودور الإعلام في واشنطن.
فالسياسة في دول الأحزاب تتأثر بمواقف الرأي العام، الذي له دور في رسم السياسيات، هذه حقائق يجب أن نأخذها في حساباتنا.
وختاماً، تقترب الكويت الآن من نقطة الانطلاق التي نأمل ألا تتأخر.
* نقلا عن ” القبس”
تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط.