شعراء المهرجانات الثقافية وجوه وأسماء تتكرر.. مجاملات أم ضرورة تخدم المشهد الأدبي
تواتر تكرار أسماء بعض الشعراء في أكثر من مهرجان أدبي وثقافي، دفع البعض إلى اعتباره ظاهرة أضحت تسيطر على المهرجانات الشعرية، ما يدعو إلى التساؤل هل وجودهم في هذه المهرجانات ضرورة تخدم الأهداف المنشودة أم أنها محسوبية ومجاملات، يلجأ إليها بعض المنظمين.
استطلعت مجلة “سيدات الأعمال الدولية” آراء بعض الشعراء العرب، حول تلك الظاهرة، وما يثار حولها من جدلية تكرار أسماء بعينها، ومن يقف خلف تلك الاختيارات إذ بتنا نعرف المشاركين قبل الإعلان عن أسمائهم، حيث أكدوا على أنها غير حيادية، وهي بذلك لا تخلق حراكا ثقافيّاً، إذ لا تعدو كونها معارف ومحسوبيات، لتبادل الأدوار والمهرجانات، في حين يرى البعض أن الصورة الآن تغيرت، فوسائل التواصل الحديثة عرفت بأصوات كثيرة، وتم استقطابها في كثير من المحافل الأدبية، والعيب في مَن يستسهل ويكرر الأسماء نفسها.
سيادة النص وسقوط الرايات الهشة
تقول الشاعرة التونسية فوزية العلوي: إن كل المهرجانات الشعرية والتظاهرات الثقافية تخضع للتفكير “المافيوزي” أو سلوك العصابات، وكذا الشأن بالنسبة للمشاركات في عروض خارج الوطن، إلا من رحم ربي، فعادة ما يختار منظم التظاهرة خاصة إذا كان مدعوماً سياسياً أشخاصاً يشاركونه في الولاء أو يشبهونه في الميول، ويقترحهم ويدافع عنهم، في حين يحرم من كان صاحب كفاءة ودون ولاء وهذا مورس كثيراً، ومازال يمارس للأسف.
وأضافت، وعادة ما يتم دعوة أشخاص، لأن هؤلاء قد يتحولون من مدعوين إلى دعاة في تظاهرات أخرى، وكثيرا ما تستقطب العاصمة كثيراً من الشعراء لأن حضورهم يكون أكثر، وقربهم من الإعلام، يمكنهم من الظهور، حتى وإن كانت تجاربهم متواضعة، لكن النص الجيد يفرض نفسه في نهاية المطاف، وتسقط الرايات الهشة.
الشاعر قيمة إبداعية لا يجدر به أن ينحدر لهذا الحضيض
بدوره لفت الشاعر العراقي عمر عناز ” لا أتصوّر أن الحديث عما يشهده تنظيم المهرجانات الشعرية من محسوبيات سينتهي يوما، ذاك أن هذه المهرجانات ليست سوى فعاليات تتولى تنظيمها مؤسسات حكومية في الأغلب، وهذه المؤسسات محكومة بسياسات عمل عامة وخاصة يغفل عنها الكثير من الشعراء، ولعلهم يعرفونها ولكن حساسية الحديث عنها تحول دون الخوض فيها”
وتابع، من هذه السياسات أن القائمين على التنظيم يعملون على أن يكون المهرجان الشعري الذي يتولون أمر إعداده معبرا عن مزاج الدولة المنظِّمة أو متناغما معها أو محايدا في أقل تقدير، وهم في ضوء ذلك يتوخّون الدقة في توجيه الدعوات للشعراء.
وأضاف عناز، فعلى الشاعر أن يسمو بنفسه عن الخوض في هذه الموضوعات التي تُظهِره وكأنه موظف ينتظر استحقاقه الوظيفي، والمعيب أن أغلب الشعراء الذين ينتقدون حاكمية المحسوبية، يخرسون تماماً، ويكفّون عن انتقاداتهم بعد أن يكرموا بدعوة من ذات الجهة التي كانوا يعملون على جلدها بالاتهامات، متناسين أن الشاعر الحقيقي قيمة ثقافية وإبداعية لا يجدر به أن ينحدر لهذا الحضيض.
ويتساءل ثم كيف لنا أن نطالب المؤسسات الثقافية التي يتولاها ” موظفون” غالبا بأن تكون مهنية وأن تحتكم للعلمية في توجيه الدعوات وننسى أن أس الداء في انعدام المهنية والعلمية هم المنافقون من النقاد والباحثين “المطبلين” لكل عاهة، الذين كرسّوا أسماء وظواهر غير صحية في الوسط الثقافي!! ولنتذكر بإنصاف أن الكثير من هذه المهرجانات وتحديداً الدولية منها -رغم كل يقال عنها- أسهمت في صناعة فعل ثقافي، تعرّفنا من خلاله على الكثير من الشعراء الذين كانوا مغيبين في عتم بلدانهم.
التقليد وحب التكرار من قبل المنظمين
ويرى الشاعر المصري أنور فراج، أن الصورة ليست قاتمة كما يتصورها الكثيرون، فهناك عوامل قد تضعنا نحن الشعراء في بؤرة الضوء ودون سابق إنذار، فأغلب المنظمين لهذا التظاهرات الثقافية هم بالأساس موظفون، فيلتقطون اسماً لامعاً في مهرجان بعينه، ومن ثم توجه إليه الدعوات، وتكون المحصلة أن يجد الشاعر نفسه مشاركاً في عدة مهرجانات شعرية وفي الدولة نفسها، مما يحدث غيرة لدى الباقين، إذن فالمشكلة تكمن في الرغبة في التكرار والتقليد من قبل بعض المنظمين، كي لا يجهدون أنفسهم في البحث عن أصوات شعرية لها بصمتها في المشهد الشعري العربي.
وتساءل فراج فإذا كان هذا هو حال المهرجانات فما الداعي للتكريم أكثر من مرة؟ فكلنا يعلم أنها علاقات ومراسلات ومتابعات واتفاقات تجري من تحت الطاولة.
بارونات وعصابات تُقصي من تشاء وتبارك من تريد
تقول الإعلامية والشاعرة أميرة الرويقي رئيسة مجلس الإدارة ورئيسة التحرير لوكالة أنباء البرقية التونسية الدولية: هذه المهرجانات سواء التونسية أو العربية، لا تعرف للحياد سبيلاً، فهي تجتر وتكرر في الأسماء نفسها، التي اهترأت وأكل عليها الدهر وشرب إلى درجة الاختناق، وسلب فرص من الشعراء والأدباء آخرين تعج بهم الساحة الأدبية.
وتتابع، وهذا يدخل تحت مسميات كثيرة منها المحسوبية أو الصحوبية، وحين يذهب هؤلاء، كي يمثلوا بلدانهم، نكتشف مستواهم الضحل، وبالتالي تصبح هذه المهرجانات مجرد سيرك، لا يوجد به ألا المهرجون فأين الحيادية هنا..!
وأوضحت الرويقي، لا سيما أن هذا القطاع تحكمه بارونات وعصابات تقصي ما تشاء وتبارك ما تريد، إذن، لابد من الغربلة ومراجعة دقيقة خلف من يختارون هذه الأسماء التي باتت باهتة اللون والمضمون، وأن نترك الفرصة للأسماء التي لم تجد لها مكاناُ ولم تصلها دعوة للمشاركة، في هذه التظاهرات الأدبية، التي من المفروض أن تُقام لتنمية الثقافة، والارتفاع بها وبالذوق العام.
وتتساءل، من يموّل هذه المهرجانات، مستثمرون بالثقافة مثلاً ! وهل هؤلاء المستثمرون يضعون شروطا لمن ينظمونها، ويتدخلون في اختيار الأسماء المتكررة حد الاهتراء ؟ أم ماهي الآليات التي يتبعها المنظمون كي يختاروا من سيشارك! ولما تقام هذه المهرجانات؟ وما الفائدة منها؟ هل ستنهض بالثقافة ؟
– وفق رأي الرويقي- أن إقامتها هنا تصبح لا قيمة لها، حين لا تخرج هذه المهرجانات بنتيجة إيجابية تفيد الأدب، أسئلة تلح عليّ، كان لابد لي أن أسألها لمن يهمه الأمر، ولا أرى حلولاً؛ إلا في مراجعة كل المنظومة الثقافية بالبلاد العربية، فيا سادة كفو عن إقصاء شعراء وأدباء لهم من الكفاءة والإبداع الكثير، وأن لا يحتكروها في أسماء صدئت وتهرأت ولم تعد قادرة على الإضافة للمشهد الثقافي شيئاً.
المحسوبية جزءاً من ثقافة المهرجانات الشعرية
“المهرجانات الأدبية ليست عادلة في اختيارها” بهذه الجملة بدأ الشاعر والكاتب السعودي ناصر بن حويل كلامه، وأوضح، أن هذا حال معظم المهرجانات بل وأصبحت العلاقات والمحسوبية، جزءًا من ثقافة إقامة المهرجانات الشعرية، وذلك لعدة أسباب منها أما بالمحسوبية في العلاقات، أو الانتهاز الشخصي من خلال المشارك؛ لأهداف متنوعة، وأغلبها داء الانتشار والكسب المادي، وتابع ناصر، مما يفقد المادة الأدبية جوهرها الحقيقي، وهدفها النبيل للإخفاق في جودة التقديم ونجاح المهرجان أو المؤتمر شكليا ً لا جوهرياً.
شبكات التواصل سهلت اختيار المشاركين
وأوضحت الشاعرة ريتا حسان عضو “تجمع ناشرون للعلوم والثقافة والأدب” بالمملكة الأردنية الهاشمية، أن تحت مظلة أي مهرجان ثقافي، يجتمع عدد من الأدباء بغض النظر عن الصنف الأدبي، لذلك تكون تلك المهرجانات ذات قيمة عالية، حيث يتم التبادل الثقافي بين مختلف الجنسيات، والاطلاع على عادات وتقاليد بلدان أخرى، الاستفادة من خبرات الغير والتطور.
وبرأي حسان، مهما كان مستوى المهرجان فهو تجربه جميلة، لكن ما يثار في الأوساط الثقافية عن المحسوبية في اختيار الضيوف المشاركين لن يكون قولي شامل، لأني ممن يختارون أسماء الشعراء المشاركين في الملتقيات الشعرية التي تنظمها جمعية “تجمع ناشرون للعلوم والثقافة والأدب” لكن بعض المهرجانات نعم تعتمد على الصداقات، وذلك لعدم معرفتها شخصياً لبعض القامات الأدبية، فيكون الاختيار عن طريق الصداقات أسهل.
وتابعت: والدليل على ذلك تكرار بعض الأسماء في مهرجانات كثيرة، فالساحة الأدبية غنيه بالأدباء بالإضافة، أن شبكة التواصل الاجتماعي جعلت الأمور أكثر سهوله في اختيار المشاركين.
هناك معايير للاختيار على المنظمين مراعاتها
في حين ترى الأمين العام لملتقى الإمارات للإبداع الخليجي الشاعرة الإماراتية الهنوف محمد رئيس الهيئة الإدارية لاتحاد كتاب وأدباء الإمارات فرع دبي، أن غالبية المهرجانات الشعرية والأدبية في الوطن العربي مردها إلى اختيار مديري المهرجانات فمنهم من يفعل ذلك عن عمد من باب تبادل المصالح، ومنهم من يؤمن بقيمة الشاعر والأديب ولا يركن إلى التكرار إلا إذا اقتضت الضرورة ذلك، وآخر صنف هو من يختار من أصدقائه ومعارفه لأنه يؤمن بتجربتهم الإبداعية.
وأوضحت أن على مديري المهرجانات والمنظمين أن يكونوا محايدين في اختياراتهم، فهي تؤمن بأن معايير الاختيار يجب أن نراعي فيها عدة جوانب منها جوانب عقلية وإبداعية ونتاج أدبي يستحق الطرح وجانب أخلاقي في التعامل مع الجمهور والضيوف، لأن غالبية الشعراء لديهم نرجسية بل ويبالغون في نرجسيتهم فهؤلاء الشعراء يجب الابتعاد عنهم في الاختيار فهم قد يتسببون في مشاحنات لا داعي لها بسبب نرجسيتهم التي تحرك شخصيتهم.