الاتحاد العربي للمرأة المتخصصة

“حميدة”.. قصة سيدة يمنية خطفت أنظار السياح ودمر إرثها الحوثي

المصدر ـ العين الإخبارية

قبل نحو 60 عاما، عملت شابة يمنية في صناعة الخبز للثوار اليمنيين ضد حكم الأئمة عام 1962 وتطورت فكرتها لتصبح مالكة لفندق ومطعم شهير.

بفضل ذكائها تمكنت “حميدة حسن الغادر” من تحويل عملها البسيط إلى مشروع أكبر، بعدما بنت منزلا من عدة طوابق، ليكون فندقا ومطعما شعبيا في محافظة المحويت التي تبعد عن العاصمة اليمنية صنعاء بنحو 113 كيلومتر.

كسر تقاليد المجتمع

كان قيام الفتيات الأربع إضافة إلى والدتهن التي كانت تبدو في الخمسين من العمر بتقديم الاطعمة، أمرا غير مألوف في المجتمع اليمني، إذ أن تولى إمرأة بإدارة فندق ومطعم في أن واحد، وفوق ذلك تقديم الطعام بنفسها مع بناتها لنزلائهن، أمر جديد في مجتمع قبلي يرى من العيب خروج المرأة على الغرباء، حتى وإن كانت ترتدي الملابس التقليدية اليمنية.

اقتصر إعداد الوجبات على الشعبية منها، وزاد من تفننها أن جعلت الزوار يقصدونها طمعا في تذوق وجباتها، فالقادمين من العاصمة صنعاء والذين يذهبون إلى تلك المحافظة المشهورة بكسائها الطبيعي الأخضر، وحصونها التاريخية الشهيرة تستهويهم تذوق تلك الأطعمة، لكأنه هروبا من حالة الملل من الوجبات الرسمية.

كانت الشابات الأربع بجمالهن الآخاذ وملابسهن اليمنية التقليدية بدون إرتداء البالطو الأسود، يعبرن عن مدى شجاعة هذا الفريق الذي يعمل بكل حرية في مجتمع يغلب عليه الطابع الذكوري.

مقصد للسياح

أصبح “مطعم وفندق حميدة” مقصدا للسياح الأجانب وينزلون في ذلك الفندق الذي يحمل اسمها، نظرا للطابع الشعبي في محتوياته، إذ اقتصرت الوجبات على الشعبية منها، فيما كان أثاث الفندق يتمثل في المساند والقطائف المحلية دون وجود الكنبات أو الأسرة، وذاع صيتها خلال السنوات التي سبقت قدوم مليشيات الحوثي، إلى حد أن فندقها ومطعمها أصبح أحد معالم المدينة الشهيرة.

لم يقتصر زوارها على السياح والزائرين اليمنيين فقط، بل مسؤولي الحكومة اليمنية، بما فيهم الرئيس اليمني الراحل علي عبدالله صالح، والمثقفين وكبار رجال الأعمال، إذ أن أسلوبها المبتكر في الفندقة جعلها مقصدا للجميع.

وأسهم وجود المطعم في منطقة شبام كوكبان الأثرية والتي يوجد بها العديد من المواقع والمعالم التاريخية، والمقابر الصخرية القديمة، أحد الأمكنة التي تحرص وكالات السياح على تفويج السائحين إليها، ما أسهم في ازدهار تلك المنطقة وتوسع نشاط حميدة الفندقي لتفتح فندقا آخر.

ومن اللافت أن الوجبات يتم حجزها بالهاتف، لا سيما الأشخاص القادمين من مدن أخرى، كما كانت شركات تفويج السواح تعمل الأمر ذاته، وهو نظام بدأ مختلفا عن المطاعم اليمنية التي لا يتطلب حجز وجباتها مسبقا، بل هو قريبا من نظام المطاعم في الدول الغربية.

من بين الوجبات الشعبية التي كانت تقوم بتقديمها، الشفوت، السبايا، السلتة، بنت الصحن، العصيد، اللحوم المطهية بطريقة تقليدية باستخدام أواني منحوتة من الصخر، فضلا عن عشرات الوجبات المحلية التي تميزت بتقديمها على الطراز التقليدي.

تجربة لا تنسى

لا أنسى رحلة سياحية قمت بها قبل نحو 15 عاما، إذ فكرنا في ختام دورة تدريبية، بالذهاب في رحلة إلى المناطق التاريخية في شباب كوكبان في المحويت، يستذكر مراسل “العين الإخبارية”، رحلة إلى محافظة بات القدوم إليها اليوم أشبه بمعجزة مستحيلة إثر فرمان وقيود الحوثي.

وأضاف “حط بنا الرحال في مطعم حميدة وكانت الوجبات التي تناولناها على الغداء شعبية، كان طعمها لذيذا لا يقاوم، وهو المذاق الذي لم أنساه رغم مرور كل تلك السنوات”.

والقادم من الأرياف لا يستسيغ الوجبات الرسمية، ويظل حنينه مشدودا إلى تلك التي تذوقها في صباه، لكأنه تذكير بالأيام الخوالي، أو هو ربما العودة من جديد للارتباط بتفاصيلها الجميلة.

تأثيرات الحوثي

لكن الآن بات عمل السيدة العصامية التي حققت نجاحا غير عادي، وكسبت شهرة إلى حد أن صحفا أجنبية أجرت معها مقابلات عدة حول قصة نجاحها وكسب رزقها من عملها الفندقي، رغم أنها لم تتعلم، مختلفا عما كان من قبل، إذ تسببت حرب مليشيات الحوثي الإرهابية في تدمير كل شيء.

فلا سياح أجانب ولا عائلات تعد ترغب في الذهاب في جولة تنزه وسياحة إلى تلك المنطقة الجميلة التي تحيط بها أودية زراعية، ومنازل تاريخية علقت في جبال شاهقة.

فالحرب التي أشعلتها مليشيات الحوثي دمرت مدخرات المدنيين في المناطق الخاضعة لسيطرتها وقضت على المشاريع التي كانت تمثل ملاذا للعاملين فيها، ومصدرها للعيش الحلال.  

ورغم وفاتها أواخر العام 2014 واستمرار عائلتها في إدارة الفندق والمطعمين، إلا أن العائلة بالكاد تحصل على مبالغ مالية لتشغيلها، وتبقيهما قائمين في مواجهة أعاصير الحوثي المدمرة.

وقال أحد الأهالي، فضل عدم ذكر أسمه لاعتبارات أمنية، لـ”العين الإخبارية”، إن فنادق حميدة ومطعمها لا زالت تفتح أبوابها وتديرها بناتها الـ4 لكن العمل تأثر كثيرا وبات شبه مدمر، إثر قيود وحرب مليشيات الحوثي مثل سائر المنشآت الأخرى التي تعاني كارثة الانقلاب.

زر الذهاب إلى الأعلى