مقالات وآراء

د. هبة اللكاوى تكتب.. فيلم صاحب المقام “لأصحاب الذوق العالي”

بقلم د. هبة اللكاوى
للمرة الأولى أعددت قهوة ، ودفتر ملاحظاتي، لأجلس أمام فيلم عربي يتم عرضه لأول مرة على شاشات النت دون المرور بقاعات السينما وهي خطوة غير مسبوقة وجيدة تحسب لصناع العمل، رغم مافيها من خسارة مادية، لكنها كانت لتتناسب مع زمن الكرونا، كنت قد سمعت قبلا، أنه يروج لفكرة الأولياء ، لم تعجبني الفكرة تماما فكان من الممكن استبدالها بفضل قضاء حاجات الناس بدلا من الوساطة عن طريق الأولياء ،وقد قتلت بحثا ، ولن أناقشها من الناحية الشرعية، لكن سيكون حديثي عن الناحية الفنية من الفيلم..
البداية..
الفيلم يبدأ بحياة عائلة، المهندس ورجل الأعمال يحيى صاحب المشاريع الاستثمارية (آسر ياسين ) وزوجته راندا (أمينة خليل) وابنهما ياسين، لمحات سريعة توحي بانخراط الزوج في عمله، دون ابداء أي اهتمام بأنشطة الإبن في المدرسة، والذي أزعج زوجته كثيرا التي كانت ترى الفتور العاطفي الشديد بين الأب وابنه.
 على الناحية الأخرى، يتابع يحي مشاريع أخرى هنا وهناك ، وهنا نعرف ان هناك مشروعا بصدد اقامته، ولكن هناك عائق ، على أرض المشروع ، أن هناك ضريحا لولي ” سيدي هلال” يأتيه الناس من كل مكان
الأحداث هنا تبدأ  في التصاعد، يقرر آسر ياسين بواسطه مساعده والذي هو أخا توأم للمساعد الأخر ويقوم بنفس الدورين ” بيومي فؤاد” ان يهدم الضريح ! ، وفي المستقبل يحاول أن يستعيض عن ذلك بجامع على أحدث طراز. بينما يحذره مساعده الآخر من فعل ذلك لأن ذلك سيغضب الأولياء ، وان المصائب ستتوالي عليه تباعا ، ويلاقي يحي عدة خسارات مادية في أسهم البورصة واحتراق فيلا يملكها. ثم يأتي الحدث الأكبر ،في يوم الإحتفال بعيد ميلاد زوجته، تسقط مغشية عليها بعد الإنتهاء من الحفل ، بعد أن سألته عن المقام رغم أنه لم يخبرها بذلك ، يتم نقلها إلى المشفي ، وهناك تبدأ الأحداث في الإشتداد ، تصاب الزوجه بنزيف في المخ ، وتقع في براثن غيبوبة طويلة.. تظهر هنا الست “روح”والتي تقوم بدورها الفنانة يسرا، والتي لم يفهم هل هي ممرضة، او طبيبة او ظابط أمن؟!
لكن مافهمناه في سياق الفيلم أنها روح مرشدة لآسر ياسين، تظهر له في كل مكان ، وكانت البداية ” روح صالح اللي انت زعلتهم ” ، وعدة أقوال أخرى تكون أشبه بعلامة فارقة في وعي آسر ياسين عن أثر التجارة مع الله. تبدأ هنا مشاعر الزوج في الإهتزاز، وكان التحول في أداء آسر ياسين والذي أحييه على سلاسة الإنتقال بسهولة ويسر من الزوج الجاف عاطفيا، الى ذلك الزوج الخائف والذي يحاول فعل مابوسعه إنقاذ لزوجته ، ويكابد أياما بلا نوم، إلا على صوت منشد أحضره إلى مكتبه ليساعد على نومه (صوت رائع وبديع حقيقة). – يزور مقامات عدة، ومن بين تلك المقامات ( مقام الإمام الشافعي) ، وهناك يلتقي صاحب والده والذي يقوم بدوره الفنان ” محسن محيي الدين ” ، والذي يعرفه دون أي مقدمات – وهنا من كثير المبالغة والتي لم أجد لها مبرر درامي- يرى آسر ياسين ” الزوج ” العديد من الخطابات والتي ترتجي من االامام الشافعي أن يكون وسيطا لديهم لله، ليحقق آمالهم ، فيقرر أن يأخذ كل تلك الخطابات ويحاول تحقق أمنيات الناس البسطاء ليكون رسول الإمام الشافعي ، كما قال صاحب والده….. تعرض الخطابات.
وهنا يبدأ الخط الإنساني البديع في الفيلم يصحبه موسيقي أكثر من رائعة ، ونشاهد العاهرة التي تتمني من الله قبول توبتها ” فريدة سيف النصر” ومعها جارتها ” ريهام عبد الغفور” والتي تحكي حكايتها وقد توفت فور وصول آسر ياسين اليها اذ اعتبرتها علامة على صدق توبتها ،والأب المكلوم على ابنه الذي لا يعرف هل هو حي أو ميت ” والذي يقوم بدوره ” ابراهيم نصر “، وزوج الأم المجرم” محمد لطفي” والذي يسجن ابنه زوجته طيلة السنوات “والزوج (محمد ثروت) في لقطة من الكوميديا عن تمنيه الزواج بحبيبته ايمان، لكنه كان قد تزوجها وقد تحولت من الحبيبة الوديعة الى الوحش على حد قوله، والأب المدمن المكلوم على فقد ابنته ” محمود عبد المغنى “، أو السيدة التي تتمنى من الله أن يرزقها مالا” سلوى محمد علي ” عن طريق شرائها لمساحيق الغسيل
وكانت كلمة السر ” الإمام الشافعي” لتتبدل أحوالهم مشاعر حقيقية نلمسها في وجوه كل هؤلاء حين يخبرهم آسر بكلمة السر، ولم أرى اكثر صدقا من ملامح إبراهيم نصر ومحمود عبد المغني، وسلوى محمد علي تجسدت فيهم كل أحوال الضعف والانكسار ، لينتهي الفيلم بأن آسر ياسين يحاول أن يحل مشاكلهم كل منهم على حدة، بينما تشفي زوجته في النهاية.
التقييم النهائي..
الفيلم حالة جميلة، يجسد كل مشاعر القهر والضعف، وحالة الرجاء الخاصة بين العبد والرب.
• ينقصه وضوح الرؤيا، لم نفهم هل هو ضد فكرة الأولياء؟ ام أنه يحييها، لمفاجأة حدثت في أخر الفيلم ” لن أحرقها”، وهل وجود بيومي فؤاد بدور توأمين إشارة الى الخير والشر في نفس اي انسان ؟!.
• فكرة المشاهد ربما استهلاكية أو قديمة، لم نجد مشهد مبتكرا تماما ، لكن عمق المشاعر والتمثيل والموسيقي اخفى ذلك قليلا
• كنت أتمنى أن أرى عمقا لدور يسرا وأمينة خليل أكثر من ذلك، فيما جاء آسر ياسين بدور مميز، لكن التفوق الأول للمشاعر الإنسانية في مشاهد الحالات ، وتجسيد معاناة كل منهم، وهو مايحسب للفيلم.
• تحية عظيمة ومبدعة للموسيقي التصويرية للمبدع البارع خالد الكمار، والتي تعدت موسيقاه الوصف وقد ساهمت في الاحساس بمشاهد الفيلم الى حد كبير.
• • الفيلم يستحق في تقييمي 10 / 6.5
زر الذهاب إلى الأعلى