سلاح “الولاية” ونهاية المشروع
ليس خارج التوقعات أن يتصرف “حزب الله” على أساس أن السلاح قضية حياة أو موت. ولا جدوى من السجال، ولا حتى من الحوار، حول الحجج المعلنة دفاعًا عن السلاح. فهي حجج تدور على هوامش وتفاصيل ونظريات في غير موقعها، من دون التطرق إلى أساس اللعبة. أما الأساس، فإنه شعار يختصر القصة كلها: “المقاومة مشروع أمة”. المشروع هو “الولاية” التي رآها الإمام الخميني “توأم الحكومة الإسلامية”. والأمة هي “أمة حزب الله” العابرة للأوطان، لا للطوائف. و”المقاومة الإسلامية” هي المحور الذي تديره الجمهورية الإسلامية الإيرانية في مواجهة ثلاث قوى: إسرائيل، أميركا ومعها الغرب، والأكثرية العربية والإسلامية في الشرق الأوسط وما بعده.
ذلك أن مشروع “الولاية” في حاجة إلى حال حرب دائمة تتخللها مراحل من الهدوء وما يسميه العالم السياسي الفرنسي برتران بادي “التوافق المتقلب”. فالقتال مع إسرائيل هو المهم، بصرف النظر عن نتائجه لأن إعلان “النصر الإلهي”مؤكد، كما هي الحال في ما أصاب غزة ولبنان من دمار وخسائر وضحايا. والمواجهة مع أميركا ضرورية لأنها القوة الأساسية المضادة للمشروع الإيراني، وإن شهدت صفقات بين مرحلة وأخرى. كذلك المواجهة مع الأكثرية العربية والإسلامية التي هي العقبة الكبيرة على طريق المشروع، وإن كان لا بد من انفتاح دبلوماسي وعلاقات سياسية واقتصادية. وفي هذه المواجهات تلعب طهران دور المركز وتتولى الفصائل المرتبطة بالحرس الثوري في المنطقة دور الأطراف و”الدفاع المتقدم” عن إيران ومشروعها.
ومن هنا مسارعة وزير الخارجية الإيراني عباس عرقجي ومستشار المرشد الأعلى علي أكبر ولايتي إلى دعم “حزب الله” في التمسك بالسلاح والقول إن سحبه سيفشل. فما احتجت عليه الخارجية اللبنانية من تدخل في شؤوننا الداخلية هو بالنسبة إلى طهران دفاع عن مشروعها، وتصرف دائم منها كأنها عامل داخلي في لبنان، لا خارجي. وهي اليوم محشورة ومستقتلة للحفاظ على سلاح “حزب الله والحشد الشعبي” في العراق بعد خسارة سوريا وضربات إسرائيل في حرب غزة ولبنان وضرباتها مع أميركا في إيران نفسها. لكن المشروع تجاوزته التحولات الهائلة في المنطقة نحو شرق أوسط بلا نفوذ إيراني ولا أذرع للجمهورية الإسلامية. وإلا ما حاجة العراق الذي لديه جيش من مئات الألوف إلى سبعين فصيلًا في الحشد الشعبي يراد جعلهم في قانون عرقلته أميركا وقوى في الداخل نسخة من تجربة الحرس الثوري؟ ولماذا يجب أن يكون في لبنان مقاومة عجزت عن حماية نفسها وبيئتها وقادتها ولبنان، ولا تطلق رصاصة على هجمات إسرائيل التي قتلت أكثر من مئتي عضو في “الحزب”؟ وإذا كان لا بد من مقاومة تساند الجيش، فلا بد من أن تكون مقاومة وطنية شاملة، لا مقاومة مذهبية إيديولوجية مرتبطة بالحرس الثوري.
غير أن إيران مصرة على استعادة اللعبة بقواعدها القديمة، وسط اللجوء إلى الإنكار وادعاء النصر. وهذا وهم كبير. عرقجي يزعم أن “حزب الله اليوم في ذروة قوته”. والشيخ نعيم قاسم الذي اعترف بـ “استشهاد 5 آلاف وإصابة 13 ألفًا في حرب الإسناد ومعركة أولي البأس” يتصور أن “كل الأمن الذي بنوه خلال أشهر سينهار خلال ساعة”. وهذا ما تراه لينا خطيب من “تشاتام هاوس” في مقال نشرته “التايم” الأميركية تكرار “الخطأ في الحسابات الإستراتيجية الإيرانية التي قادت إلى عكس التصورات”. وليس الدور الذي تلقفه الحوثيون في المواجهة مع إسرائيل سوى فصل في المشروع الإيراني بالإضافة إلى تركيز العودة إلى حكم الإمامة في اليمن.
ولا أحد يعرف كيف تستطيع إيران الاستمرار في أخذ طائفة من المكونات الاجتماعية في لبنان والمنطقة إلى مواجهة مع بقية الطوائف كما مع العرب والغرب من أجل سلاح لا دور له. لكن الكل يعرف أن شعار “تفريغ لبنان من قوته في مواجهة إسرائيل عبر سحب السلاح من حزب الله” هو في الواقع إصرار على منع لبنان من بناء مشروع الدولة الوطنية وإجباره على البقاء في محور الارتهان لمشروع “الولاية”.
“وما أكثر العبر وأقل الاعتبار” كما قال الإمام علي.
* نقلا عن” نداء الوطن”