مقالات وآراء

الشيخوخة السياسية تعصف بإسرائيل

أيمن خالد

يصر نتنياهو على إعادة إسرائيل إلى الدائرة الأمنية الضيقة وفي عميق عقله إعادة استخدام ذات الأساليب القديمة، فمسألة تصدير وتسويق فكرة القلق الأمني الإسرائيلي على المستوى الدولي سوف تقلل من الضغوط الدولية عليه، ما يجعله يهرب نحو تعزيز حضوره السياسي على المستوى الداخلي بأنه القائد القادر على حماية البلاد من المخاطر المحيطة بها، وبالتالي عندما لا يكون هناك من يقرع طبول الحرب، على نتنياهو أن يضع طبلاً بين أغصان الأشجار، لعل الريح تصنع الصوت الذي يريد.

الإشكالية عندما يعجز صانع السياسة عن إنتاج ما هو جديد من أجل مواجهة التحولات السياسية يدخل عملياً في مرحلة الشيخوخة السياسية ويبدأ بالبحث في جيوبه عن الأوراق البالية القديمة بغية إعادة طرحها على الطاولة، وهو ما يجعل النتائج السياسية تأتي متناقضة مضطربة، تعكس صورة من العبث السياسي، ولكن هذا لا يطول، إذ سرعان ما تبرز الأخطاء السياسية على السطح، بحيث يصبح هذا العمل حالة تبريرية تعكس صورة العجز من جانب، وتقلل من المصداقية السياسية، بما تصبح فيه المسألة أكبر من ورقة سياسية انتهت صلاحيتها يحاول السياسي الفاشل استحضارها، نحو رؤية ثانية يصبح فيها السياسي الفاشل وكأنه يضع الدولة كلها في جيبه ويغامر بها في سبيل تحقيق مصالحه الخاصة.

هنا نتنياهو يرسل الدبابات إلى مخيمات الضفة وهي لم تدخلها منذ ربع قرن، بغية تصدير مشهد القلق الأمني، ثم يقصف مواقع في سوريا، ويقول إن سقوط نظام الأسد لم يكن في مصلحة إسرائيل، وهي إشارة ضمنية عبر عنها بقوله “إن أي قوة في سوريا تعتقد أنها قادرة على تهديد إسرائيل فهي مخطئة للغاية” ثم يقول وزير دفاعه “لن نسمح لجنوب سوريا بأن يصبح جنوب لبنان”، ثم يتحدث وزير خارجيته جدعون ساعر أثناء اجتماعه في بروكسل مع وزراء الخارجية الأوروبيين واصفاً الإدارة السورية الجديدة بأنها “جماعة إرهابية” في الوقت الذي باتت فيه الإدارة السورية الجديدة تحظى باعتراف دولي متزايد بعد الاعتراف العربي بها، يضاف إلى ذلك ما طرحه نتنياهو مؤخراً من ملفات تتناول المساس في تركيبة البنية الاجتماعية السورية.
كل ذلك وغيره يريد منه نتنياهو إعادة إسرائيل إلى عقدة الدائرة الأمنية الضيقة بما يعزز من موقع حكومته في الداخل، وهنا تبدو الإشكالية الجديدة لديه، فهو يريد صناعة مخاطر خارجية في عقل الناخب الإسرائيلي فيما لو وجد نفسه في مواجهة انتخابية استثنائية، وهو أيضاً لم ينته من ملف التخادم مع حماس في غزة، وحتى الضفة، فهو يحشد أحزاب اليمين المتطرف من خلال الحديث عن بقاء الجيش الإسرائيلي في مخيمات الضفة لمدة سنة، بعد تهجير قرابة 40 ألف من سكانها قسراً، وهو ما قد تستدرجه به حماس إلى ما هو أكثر، من خلال دخول الدبابات إلى مختلف مدن الضفة بذريعة ملاحقة عناصر حماس. ثم هو يتقاطع مع مصالح حماس في غزة ويريد أن يبقى في محور فيلادلفي بقصد منع عودة السلطة وتعطيل آليات الإعمار، وهو ما يخدم حماس لأنها ستبقى تدير غزة على أكوام من الركام بلا أي أفق سياسي للحل.

بالنتيجة، كل هذا التصعيد، سوف يبقي المأزق قائماً ولا يمكن أن يتم تغيير مصير الملك في لعبة الشطرنج عبر تغيير مواقع الجنود، سواء من خلال التصعيد الاستثنائي في الضفة وصولاً إلى المشهد السوري وغيره، بالتالي إن تناقضات المشهد تعصف بإسرائيل فما يقوم به نتنياهو وأحزاب اليمين، هو محاولة التفاف على واقع الشيخوخة التي يعيشها نتنياهو ومختلف أحزاب اليمين وانعكاس ذلك على إسرائيل، إذ تحاول هذه الأحزاب تعطيل ظهور قيادات سياسية جديدة قادرة على العودة إلى الطاولة السياسية التي لا مفر منها، خصوصاً أن زعيم المعارضة يائير لبيد يرى فيه كثير من الإسرائيليين أن مجرد لاعب على صفوف الاحتياط لا يمكنه الانتقال إلى صف المحترفين نتيجة خبرته السياسية التي يعتبرونها قليلة، وهو ما يمنح الوقت لـنتنياهو لكي يحارب على كافة الجبهات مستحضراً هواجسه الأمنية على المستوى الدولي والمحلي، فيما يتنقل هو وعسكره على الأرض بانتظار المرحلة القادمة المجهولة، والتي قد يتحول المشهد الانتخابي الإسرائيلي فيها نحو الجيش مجدداً، وخصوصاً نحو القيادات التي استقالت منه، لكن حظوظ هذه الشخصيات لا يزال أقل من المطلوب، مما سيبقي نتنياهو يجلس على عرش الشيخوخة السياسية في إسرائيل، وحوله أحزاب اليمين.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى