مقالات وآراء

“فيلق القدس” الإيراني والبحث عن دور

حسن فحص

يبدو أن النظام الإيراني وقيادته بخاصة “قوة القدس” في “حرس الثورة” لم يلتقطا المؤشرات التي جاءت من السودان (أ ف ب)

ملخص
أمام خيار إعادة ترميم دور ومهمة “فيلق القدس” ومفهوم وأسس العمق الإستراتيجي، قد يكون لدى النظام خيار العودة لتفعيل الدور الدبلوماسي الذي غيّب في السابق لمصلحة الميدان وقرار المؤسسة العسكرية وتقديراتها، مما يعني البحث عن دور جديد لـ “فيلق القدس” وساحات نفوذ مختلفة.

اغتيال قاسم سليماني في بغداد مطلع عام 2020، إضافة إلى أنه شكّل ضربة قاسية للمشروع الإقليمي للنظام الإيراني، فإنه أيضاً هزّ استقرار هذه القوة العسكرية التي تعتبر ذراعه الخارجية، مما انعكس تراجعاً في حضور خليفته إسماعيل قاآني وتأثيره على رغم ما يتمتع به من قدرات عسكرية وأمينة، مما فرض على قيادة النظام تعزيز دور حليفها في لبنان الأمين العام لـ”حزب الله” حسن نصرالله لترميم الفراغ الحاصل نتيجة غياب سليماني، خصوصاً أن نصرالله كان أكثر إلماماً بدور سليماني وتشعبات الملفات التي كان يديرها.

وعلى رغم محاولة المرشد الأعلى والمنظومة في السلطة والحكم في إيران استيعاب التحولات التي شهدتها منطقة الشرق الأوسط من تطورات ومتغيرات نتيجة أحداث السابع من أكتوبر (تشرين الأول) عام 2023 ومعركة “طوفان الأقصى”، ومن ثم الحرب على لبنان، وتوجت بانهيار النظام السوري وفرار رئيسه بشار الأسد، فإن تداعيات ذلك فاقت كل التقديرات والقدرة على التعامل معها، خصوصاً أن ارتداداتها سمعت في طهران بصورة واضحة، وما أدت إليه من تفكك المحور الذي يشكل العمق الإستراتيجي للنظام، بالتالي فرضت عليه التراجع إلى الخلف والبحث عن مخارج وآليات للتعامل مع التداعيات المحتملة والمفتوحة على جميع الاحتمالات.

يقول المرشد الأعلى للنظام في خطاب له بتاريخ الثامن من يناير (كانون الثاني) عام 2021 واصفاً مفهوم العمق الإستراتيجي للنظام وحساسية التعامل مع الضغوط الدولية التي يتعرض لها نتيجة النفوذ الذي يملكه في المناطق التي تشكل هذا العمق، “في ما يتعلق بحضورنا الإقليمي الذي هو محل تساؤل لدى كثيرين عن أسباب وجود إيران في المنطقة، فإن نظام الجمهورية الإسلامية ملزم التصرف بطريقة تعزز من قوة أصدقائه وأنصاره في المنطقة. هذا واجبنا. وجودنا يعني تقوية أصدقائنا ومناصرينا. لا ينبغي لنا أن نفعل أي شيء من شأنه إضعاف الأصدقاء والموالين للجمهورية الإسلامية في المنطقة. إن وجوداً مثل هذا الوجود يعزز الاستقرار، فقد ثبت أن وجود الجمهورية الإسلامية يزيل أسباب عدم الاستقرار، [مثل] قضية ’داعش‘ في العراق وقضايا مختلفة في سوريا وما إلى ذلك التي لا نريد أن نناقشها بالتفصيل الآن. والذين شاركوا في هذا العمل يعرفون ذلك، ولذلك فإن هذا الحضور الإقليمي أكيد، ولا بد من أن يكون موجوداً وسوف يكون موجوداً”.

ويبدو أن النظام الإيراني وقيادته، بخاصة قيادة “قوة القدس” في “حرس الثورة”، الذراع الإقليمية والتي تحمل مشروع العمق الإستراتيجي، لم يلتقطا المؤشرات التي جاءت من السودان في الانقلاب الذي حصل على زعيم السلطة هناك عمر البشير، وأن المنطقة مقبلة على التحولات التي من المفترض أن تشمل المنطقة أو المجال الذي يشكل ساحة النفوذ الإيراني، على رغم إحساسهما بحجم الخسارة المباشرة في السودان باعتباره الجغرافيا التي شكلت أحد الممرات والمعابر المهمة في تهريب السلاح إلى قطاع غزة لدعم الفصائل الموالية أو المتحالفة معهما، كحركتي “حماس” و”الجهاد الإسلامي”.

وعدم التقاط اللحظة ربما يكون نتيجة النشوة لانشغالهما بقيادة سليماني ومشاركة “حزب الله” في لبنان بإعادة تثبيت ركائز نفوذ النظام في العراق وسوريا، وكيفية تثبيت مواقع حليفهما الحوثي في اليمن في مواجهة “عاصفة الحزم” التي أعلنتها السعودية في مارس (آذار) عام 2015.

وعلى رغم تأكيد مرشد النظام مراراً أن الدول الغربية وأميركا تسعيان، منذ انتصار الثورة، إلى القضاء على النظام الإسلامي وثورته ودولته، ووضع فشل أهداف الحرب العراقية في سياق هذه الإستراتيجية الغربية والأميركية، فإن المرشد كان يدرك أن هذه القوى تعتبر النفوذ الإيراني في دول المنطقة يشكل العمق الإستراتيجي لإيران وثورتها، وأن النيل من إيران لا يبدو ممكناً من دون قطع أذرعها أو قنوات نفوذها، من خلال استهداف هذه الدول وإخراجها من دائرة النفوذ الإيراني، بالتالي تصبح الطريق مفتوحة أمام استهداف إيران نفسها والقضاء على نظامها وسلطته.

الأحداث التي شهدتها منطقة الشرق الأوسط في الأشهر الـ15 الماضية والمتغيرات التي أسفرت عنها، أعادت إلى الواجهة مدى التقديرات الخاطئة التي بنت عليها إيران وحلفاؤها مواقفها وإستراتيجيتها والتي تعيد إلى الأذهان الخلاف المبكر في السنة الأولى من الأحداث السورية الذي نشأ بين تقديرات محطة وزارة الاستخبارات الإيرانية في سوريا واستخبارات “الحرس” وقيادة “فيلق القدس”، عندما ذهبت تقديرات وزارة الاستخبارات إلى أن النظام السوري سينهار عاجلاً أم آجلاً، وأن على القيادة في طهران البحث عن آليات للتعامل مع سوريا مختلفة ومن دون بشار الأسد، في حين تمسك سليماني بموقفه الداعم للنظام بتوجيه من المرشد الأعلى مباشرة الذي كلّفه وضع إستراتيجية دفاعية للحفاظ على النظام ورئيسه.

وإذا ما استطاعت طهران تأجيل أو إخراج السلطة في العراق التي تسيطر عليها أحزاب موالية أو متحالفة أو محسوبة على النظام الإيراني، من دائرة الخطر المباشر، فإنها لم تستطِع أن تبعد الكأس المرة من حليفها في لبنان وشخص الأمين العام لـ”حزب الله” وقيادات الصف الأول العسكرية والأمنية التي كانت تراهن عليها في قيادة أي مواجهة عسكرية في المستقبل.

* نقلا عن “اندنبندنت” عربية

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى