معدل إنجاب السعوديات ومعدل المشاركة في سوق العمل

هل ينبغي إلقاء اللوم على المرأة إن هدأت وتيرة نمو السكان، بسببٍ أنها انشغلت بتحقيق ذاتها مهنيًا؟ أم السعي لإدراك أن المرأة عنصر أساسي في تكوين رأس المال البشري، وأن الحاجة مطلوبة لاجتراح سياسات تستوعب المتغيرات، وفي مقدمتها في هذا السياق أن مشاركة المرأة في سوق العمل إلى تعاظم؟ لا ينبغي، والسبب أن التغير في معدل الانجاب يرتبط بعدة عوامل، فوفقًا لبيانات الأمم المتحدة للسكان، وصل معدل الإنجاب للمرأة السعودية (عمر 15 – 49) ذروته في منتصف الستينات الميلادية من القرن الماضي (7.5 ولادة)، ثم أخذ في التراجع خصوصًا بعد الطفرة الأولى في عقد السبعينات، واستمر في التراجع بالتدريج، ووصل إلى قرابة 2.5 ولادة في العام 2015، أي قبل انطلاق الرؤية ومستهدف رفع معدل مشاركة المرأة في سوق العمل، حاليًا يقدر المعدل بنحو 2.3 ولادة. وهكذا، يمكن القول إن التحولات الاجتماعية والاقتصادية بمجملها هي المؤثر على معدل الإنجاب، ما لا يصح معه عزو كل التراجع في معدل الإنجاب إلى ارتفاع معدل مشاركة المرأة في سوق العمل. ما يعني أن علينا البحث في مبادرات نوعية تساعد على تكوين الأسرة من جانب، وتساند الأسرة على الانجاب والرعاية والمساهمة في تحمل التكاليف المتصاعدة لانجاب والاهتمام بكل طفل.
العديد من البلدان سعت لوضع سياسات للحد من “شيخوخة” هرمها السكاني لكنها لم تنجح، بل أن بعضها فشل فأخذ الهرم السكاني فيها ينكمش وعدد سكانها يقل. وبالمقابل بلدان نجحت مثل السويد التي أخذت تشجع سكانها على الانجاب من خلال حوافز تقدم لكل طفل تعين من خلالها الوالدين على تحمل مصاريف رعاية الطفل. وفي المقابل يعاني عدد من البلدان من معدل نمو سلبي في السكان في مقدمتها بلغاريا ولتوانيا واليابان، وكذلك إيطاليا وبولندا والصين، أما منطقتنا فلن تجابه تلك الظاهرة إلا بعد العام 2050.
وينخفض عدد السكان عندما يتجاوز عدد الوفيات عدد المواليد ولا تعوض الهجرة الصافية النقص. أما لماذا ينخفض عدد السكان، فالسبب الأساس هو تراجع معدل الخصوبة، أي معدل الانجاب للمرأة الواحدة، وهذا يحدث كنتيجة لتأخر الزواج وللمشاركة في سوق العمل ولارتفاع تكاليف رعاية الأطفال. فضلًا عن أن مجتمعات لاسيما الأوربية واليابان، تعاني من الشيخوخة السكانية، أي زيادة متوسط العمر المتوقع مصحوبًا بانخفاض المواليد، ما يؤدي إلى ارتفاع نسبة الكبار في الهرم السكاني، وبذلك يصبح بالتدريج هرمًا مقلوبًا؛ قاعدته ضيقة وقمة الهرم عريضة، ولذا حرصت الدول الأوربية على فتح أبوابها للهجرة في محاولة لإعادة الحياة لقاعدة ولمنتصف الهرم السكاني، وإن كانت تلك البلدان تأخذ زهرة الشباب المهاجرين من البلدان الأخرى لاسيما المنكوبة، ثم تبدي – تلك الدول ذاتها – تململًا من قدوم المهاجرين، لتنطبق عليها مقولة: يتمنعن وهن الراغبات! أما اليابان فسياساتها السكانية تعاني من فشل وهرمها السكاني يزداد هِرمًا، ولا يبدو أن هناك رادًا لذلك.
وفي السعودية، قاعدة الهرم عريضة وقمة الهرم ضيقة، ومعدل نمو السكان إيجابي، لكن معدل خصوبة المرأة إلى تراجع؛ حاليًا 2.12 ولادة للمرأة، ومتوقع أن يتراجع بتؤدةٍ إلى 1.8 ولادة في العام 2050، وفق التوقعات السكانية للأمم المتحدة.
ومن جهة أخرى، فإن معدل العمر المتوقع في ارتفاع، نتيجة للرعاية الصحية وجودة الحياة، فقد ارتفع المعدل 32 عامًا خلال 65 عاما؛ من 48 عامًا في العام 1960 إلى 79.7 عامًا حاليًا (2025 وفق ما صرح به وزير الصحة في ملتقى الميزانية 2025). وعلينا أن نتذكر أن الحديث هنا هو عن السكان عمومًا، وليس فقط عن المواطنين، وهكذا نجد أن الارتفاع الكبير في معدل نمو سكان السعودية حديث في فترة الطفرة الاقتصادية الأولى 1970 – 1980، نتيجة للازدهار الاقتصادي الهائل حيث تصاعدت أعداد العمالة الوافدة بسرعة لتلبية متطلبات النمو الاقتصادي السريع.
وأحد المتغيرات الأكثر تأثيرًا في هيكل السكان السعودي على المدى الطويل هو ارتفاع معدل مشاركة المرأة في سوق العمل، الذي ارتفع من 18 % في العام 2016، إبان إطلاق رؤية السعودية 2030 إلى الضعف (36.2 %) في العام 2025، وتستهدف الرؤية أن يصل إلى 40 % في العام 2030. وهي زيادة هائلة تزيد عن 100 % خلال فترة قصيرة. وهذا يعني أن ثمة حاجة ماسة لوضع سياسات تحفيزية لتمكين المرأة، أو بتعبير أدق تمكين الأسرة من الموازنة بين إنجاب ورعاية الأطفال، والتقدم في المسيرة المهنية وتحقيق الذات للوالدين، ومن ذلك توفير إطلاق حملات توعية بأهمية الموازنة بين الأدوار والمسؤوليات الأسرية والمجتمعية والاقتصادية، وأن عمل المرأة ليس رفاهًا بالنسبة لمجتمع يطمح أن يستفيد من كوادره المتعلمة والتي تمتلك قدرات ومهارات سوق العمل في أمس الحاجة لها. ولا يمكن هنا تجاوز مبادرات مهمة تصب في هذا الاتجاه، منها “قرة” لضيافة الأطفال و “وصول” لدعم المواصلات لتسهيل عملها في القطاع الخاص، وكذلك إجازة الوضع. ولعل الوقت قد حال لأخذ هذه المبادرات ولمستوى أعلى لتحقيق المستهدفات وللتحفيز على الانجاب والرعاية، وتدعيمها بمبادرات إضافية تحفيزية للوالدين الزوجة والزوج بما يعزز معدل نمو السعوديين والحفاظ على السمة الشابة لهرم السكان على المدى البعيد.
* نقلا عن “البلاد”



