مقالات وآراء

المرحلة الثانية من الاتفاق مرهونة بلقاء ترامب – نتنياهو

جيهان فوزي

الانتقال إلى المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار المدعوم بخطة ترامب ذات الـ20 بنداً يبدو أنه محفوف بالألغام. هذه المرحلة تشير إلى الانتقال نحو نزع سلاح حركة حماس، وإنهاء سيطرتها على الحكم فى غزة، وإقامة سلطة انتقالية فلسطينية تكنوقراطية (غير سياسية) تحت إشراف «مجلس سلام دولى»، بالإضافة إلى نشر قوة أمنية دولية للاستقرار، التى من المقرر أن تبدأ بعد تسليم حماس جثة الأسير الإسرائيلى الأخير، والذى يتم البحث عنه حتى الآن ويصعب العثور عليه نظراً لتغير ملامح غزة بالكامل نتيجة القصف المتواصل والدمار الهائل الذى خلفه فى كافة قطاع غزة. ومع ذلك تواجه هذه المرحلة تحديات كبيرة خاصة من جانب إسرائيل، التى ترى فيها مرحلة أصعب لتحقيق نزع سلاح المقاومة وإعادة التأهيل كما تراه.

إسرائيل بقيادة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، تضع عدة عوائق أساسية أمام تقدم المرحلة الثانية، وتركز على ضمان الأمن، ومنع عودة التهديدات، كما تصر على نزع سلاح حماس كشرط أساسى للانتقال إليها، إذ ترفض إسرائيل الانسحاب الكامل من غزة دون نزع السلاح بالكامل، معتبرة ذلك خطاً أحمر لمنع إعادة التسلح أو التحالفات الخارجية مثل إيران. هذا الأمر يصطدم مع رؤية حماس التى طالبت بالتفاوض على بنود المرحلة الثانية للوصول إلى تفاهمات تقرب وجهات النظر بين مطالب كل منهما، وقد عرضت الحركة تجميد أو تخزين أسلحتها مؤقتاً، لكن إسرائيل تطالب بنزع كامل، مما يخلق تعثراً فى المفاوضات، خاصة أن الخطة لا يزال يكتنفها الغموض بالنسبة للطرفين وتطرح أسئلة مفتوحة مثل: ما هو الجدول الزمنى؟ وما هى القوات الدولية الواردة؟ وهل ستكون قوات دولية، وإلا ما هى البدائل؟ مما يعطى إسرائيل الذرائع لتأخير التنفيذ حتى يتم توضيح هذه النقاط. وقد أعلنت إسرائيل «الخط الأصفر» الذى يحدد سيطرتها العسكرية على 53% من غزة (المناطق الجنوبية مثل رفح) كحدود جديدة، ما يعيق الانسحاب ويسمح باستمرار العمليات العسكرية المحدودة ضد المقاومة الفلسطينية فى الجزء الغربى، وكان من المفروض بعد الانتقال للمرحلة الثانية أن تنسحب إسرائيل إلى الحدود المعروفة، لكن جاءت تصريحات رئيس الأركان إيال زامير لتؤكد على ما تُبيّت له إسرائيل النية من السيطرة المستمرة على المنطقة التى حددتها بعد الخط الأصفر ولا تنوى الخروج منها، واعتبرتها الحدود الجديدة للمنطقة العازلة بين إسرائيل وقطاع غزة، وهذا يعتبر تقسيماً غير رسمى يضغط على حماس دون عودة كاملة إلى الحرب.

لم تكتف إسرائيل بذلك، بل يرفض نتنياهو أى خطة تؤدى إلى دولة فلسطينية ويرى أنها مكافأة لحماس، مما يعرقل السلطة الانتقالية ويطيل أمد الاحتلال، فضلاً عن ذلك فإن قوات السلام الدولية التى يزمع تشكيلها لم يتم الحديث عنها بشكل علنى حتى الآن، ولم يعلن بشكل رسمى عن الدول المشاركة فيها مما يزيد الشكوك حول جدواها، وربما ترفض الدول الوازنة المشاركة فيها.

وبناءً على ذلك فإن المرحلة الثانية تبدو بعيدة رغم إصرار الرئيس الأمريكى على الإعلان عن البدء فى تطبيقها خلال الأسابيع القليلة من الشهر الجارى، لذا تأتى زيارة نتنياهو لواشنطن لبحث تفاصيل المرحلة الثانية مع الرئيس ترامب. هناك سيناريوهات محتملة رئيسية للمرحلة الثانية من الاتفاق أهمها التنفيذ التدريجى البطىء يترافق مع الضغط العسكرى، حيث تبدأ إعادة الإعمار فى المناطق الإسرائيلية الخاضعة للسيطرة (شرق الخط الأصفر) مع نشر قوة دولية محدودة، واستمرار عمليات إسرائيلية محدودة ضد حماس فى الغرب، وذلك لدفعها نحو نزع السلاح، هذا السيناريو يتجنب الحرب الكاملة، لكنه يطيل التقسيم، وقد يؤدى إلى استقرار نسبى إذا نجحت القوة الدولية.

وإذا رفضت حماس النزع الكامل للسلاح، قد تعلن إسرائيل تجميد المرحلة الثانية، وتعاود العمليات العسكرية، مما يؤدى إلى جولة جديدة من التصعيد. وهو أمر وارد الحدوث إذا تأخرت الولايات المتحدة فى الضغط الجدى على إسرائيل، أو إذا فشل التعاون الدولى. ومن السيناريوهات المتوقعة أن يتم نزع سلاح المقاومة تدريجياً مع تسوية سياسية تتضمن تجميد الأسلحة تحت إشراف أممى، وضمانات لدولة فلسطينية مستقلة، وهو السيناريو المفضل للدول العربية والولايات المتحدة، لكنه يبدو شبه مستحيل بدون تسوية شاملة، وقد يؤدى إلى هدنة طويلة الأمد (5-10) سنوات إذا قبلت حماس بحق المقاومة المحدود. وهنا تحافظ حركة حماس على أسلحتها مع تعديلات تكتيكية لتجنب التصعيد، مما يؤدى إلى تعثرات مستمرة وغموض فى الاستقرار، خاصة مع استمرار الضغط الإسرائيلى.

وفى المحصلة فإن المرحلة الثانية محفوفة بالمخاطر، وفى لحظة حرجة ومضطربة قد تؤدى إلى التصعيد من جديد وهو ما يريده نتنياهو، فقد تفشل فى التنفيذ إذا لم يتم الضغط على إسرائيل للانسحاب الكامل والسماح بحرية الحركة للفلسطينيين، ما قد يؤدى إلى انهيار الاتفاق بأكمله.

الوضع يتطور بسرعة كبيرة وفشل أو نجاح الاتفاق يعتمد على اللقاء المرتقب بين نتنياهو وترامب فى الأيام القليلة القادمة.

*نقلاً عن “الوطن “المصرية.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط.

 

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى