السوريون في رمضان: المال شحيح وموائد الإفطار متواضعة (صور)
المصدر: RT
يتقبض إسماعيل على المبلغ القليل الذي يحمله في جيبه، يجوب الموظف الحكومي سوق الخضرة القابع قرب الكنيسة في دمشق، ويحث الخطى بين البسطات المتوزعة على جانبي الطريق عساه يقع على السعر الأرخص لمواد الطبخة التي انتدبته زوجته لإحضارها.

جولة طويلة ومتأنية قد تكلفه تأخير موعد العائلة عن الإفطار لبضع الوقت، فغالباً ما تسمح بيعة المساء لدى التجار بتخفيض هنا أو هناك، وهذا بحد ذاته ما يعطي إسماعيل الهامش بتوفير بعض النقود، تمهيداً لمعركة البحث عن إفطار الغد الذي سيستدعي منه ممارسة ماراثون الشقاء هذا مرة جديدة.

يقول إسماعيل لـ”RT” إن راتبه لا يزيد عن أربعمائة ألف ليرة سورية، أي ما يزبو قليلاً عن الأربعين دولاراً، وهي بالكاد تكفيه لأسبوع مع ضبط نفقات شديد منه ومن أسرته، قد يصل للرغبة بتوفير 500 ليرة سورية في السلعة الواحدة، ولو اقتضى الأمر أن يقطع لأجل ذلك 5 كيلومترات مشياً على قدميه. في الوقت الذي يقتصر فيه إفطار عائلته على وجبة وحيدة متواضعة، فيما تسقط أسرته من حساباتها كل “الكماليات” التي عادة ما كان السوريون يزينون بها موائدهم في هذا الشهر الذي يعيشون فيه لدنياهم وآخرتهم على حد سواء. لكن الحال لهذا العام تبدل، والظروف قد أدارت وجهها العابس للسوريين، كما يؤكد إسماعيل لموقعنا.

- البحث عن الأرخص
تجد السيدة نوال في البسطات المنتشرة بكثرة على الأرصفة ضالتها بغية تأمين احتياجاتها اليومية، وخصوصاً في شهر رمضان، حيث ارتفعت أسعار السلع بشكل ملحوظ عما كانت عليه قبل شهر الصوم.
وفي حديثها لموقعنا، تؤكد نوال أنها وغيرها من المواطنين تشتري حاجتها من المعلبات والمواد الغذائية من هذه البسطات، رغم جهلها لمصدرها الحقيقي، سيما وأن فيها ما يوجد عليه كتابات بلغات غريبة لا تنبئ بشكل دقيق عن مكونات هذه المعلبات ومدى جودتها. المهم أن سعرها الرخيص نسبياً يشفع لها في عملية الشراء، والأمر متروك لرقابة الحكومة، كما تقول نوال لموقعنا.

- مواد لا سبيل إليها
خلافاً لما دأب عليه السوريون خلال شهر رمضان، فإن حركة البيع والشراء لهذا العام تبدو ضعيفة، والسبب أن أبسط طبخة تكلف حوالي 100 ألف ليرة سورية، أي ما يعادل عشرة دولارات، كما تقول هند (مديرة مدرسة ابتدائية) لموقعنا، وهي تتقاضى من الحكومة راتباً قدره 425 ألف ليرة.
وأشارت هند إلى أنها، مثل أغلب السوريين، تشتري الحد الأدنى من كل مادة مخصصة لمائدة الإفطار.
الخبير الاقتصادي حسان ديب لفت في حديثه لـ”RT” إلى أن أسعار المواد قد ارتفعت خلال الأسبوع الأول من رمضان بنسبة تجاوزت 30%، الأمر الذي أرغم السوريين على تقنين شراء مواد غذائية تعتبر مادة رئيسية على مائدة الإفطار، كالتمر الذي وصل سعر النوع الجيد منه إلى 80 ألف ليرة، فيما ازدادت أسعار الحلويات بنسبة وصلت إلى 60%، كما شهدت أسعار الخضروات والفواكه ارتفاعاً ملحوظاً، حيث وصل سعر الخسّة المتوسطة الحجم إلى 7 آلاف ليرة.

ولفت ديب إلى أن السوريين لا يشتكون من غياب المواد الغذائية عن الأسواق، فهي متوفرة وبكثرة، وخاصة بعد تدفق السلع الأجنبية عبر الحدود وفق سياسة تخفيض جمركي غير مدروس بعناية، فيما المشكلة تكمن في عدم تناسب دخولهم المتواضعة مع أسعار هذه المواد، وتواضع قدرتهم الشرائية على النحو الذي أضر بعاداتهم الغذائية المعروفة.
- خطة حكومية
الخبير الاقتصادي أشار إلى أن ما تقدم لا يعني بأي حال من الأحوال غياب الرقابة الحكومية عن الأسواق، حيث تسعى دوريات التأمين لضبط أسعار السلع الأساسية والتأكد من توفرها، وعدم قيام التجار باحتكارها، بالإضافة إلى الرقابة الصحية المتمثلة في سحب عينات من المواد الغذائية وغيرها من السوق للتأكد من موافقتها للمواصفات القياسية، كما أن هناك تشديداً على ضرورة وضع السعر فوق المادة والالتزام به.

وكانت وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك السورية قد أعلنت عن إعداد دراسات فعلية وواقعية لأسعار المواد المنتجة محلياً والمستوردة، بعد دراسة الأسواق بشكل يومي، معتمدة مبدأ تحرير السوق لضمان السعر الأفضل للمواطن، على اعتبار أن ذلك سيفرض نوعاً من المنافسة بين التجار على قاعدة أن السوق يعدل نفسه بنفسه وفق قوانين العرض والطلب.
كما أن الوزارة قد بدأت خلال شهر رمضان الحالي بالاعتماد على المهرجانات المفتتحة في المحافظات السورية، حيث تباع المواد بسعر التكلفة مع تقديم تخفيضات قد تصل إلى نسبة 30% على بعض هذه المواد.