مقالات وآراء

لعنة الاستئثار بالسلطة: سوريا ومجازر الطائفيين

خامنئي تحدث منذ اليوم الأول عن "شباب ثوري" سيتحرك لإسقاط الوضع الجديد

رفيق خوري

سوريا هي ميزان الاستقرار أو الفوضى في الشرق الأوسط، ومن هنا أهمية الحفاظ على وحدتها وسلامة أراضيها وقيام نظام ديمقراطي تعددي فيها يشرف على إعادة الإعمار والنهوض الاقتصادي والاستقرار الاجتماعي.

كان رئيس الوزراء البريطاني الراحل هارولد ويلسون يقول “أسبوع في السياسة زمن طويل”، وثلاثة أشهر على الإدارة الجديدة في سوريا هي في السياسة دهر. فما حجب تاريخ “هيئة تحرير الشام” السلفية في إدلب هو الرصيد السياسي الذي أعطي لها في الداخل والخارج من خلال أمرين مهمين، إسقاط نظام بشار الأسد وإخراج إيران وأذرعها من سوريا، بحيث جرى كسر الهلال الإيراني عبر خسارة الجسر السوري. وما كشفت عنه ممارسة السلطة هو حاجة الرئيس أحمد الشرع إلى إضافة أمور أخرى إلى الرصيد، دور التنوع السوري في السلطة وما يسميه فرانسيس فوكوياما “رأس المال الاجتماعي”، فضلاً عن حماية حدود سوريا التي تبدو فالتة في الجنوب وأماكن أخرى، وإجراء تسويات في الساحل السوري والسويداء ودرعا وشرق الفرات حيث “قوات سوريا الديمقراطية” ذات الغالبية الكردية.

ولا مفاجأة إلا في سرعة التنسيق والتخطيط والتنفيذ لعمليات عسكرية في الساحل السوري ضد الإدارة الجديدة في ذكرى استيلاء البعث على السلطة يوم الثامن من مارس (آذار) عام 1963، ولا من المألوف في الرد العسكري تداعي مجموعات مسلحة ليست ضمن إطار السلطة للقتال إلى جانب قوات الجيش والأمن العام وارتكاب مجازر ضد المدنيين على خلفيات طائفية. والباقي وقائع وتوقعات مؤكدة، فالدرس مكتوب على الجدار في التجربة الطويلة لنظام البعث وآل الأسد، لا خيار أمام أي طرف يستأثر بالسلطة وحده سوى ممارسة القمع والعنف إلى الحد الأقصى، والدرس الآخر وفي الكتب وعلى الأرض، لا حماية لأي سلطة إلا بأن تعكس التعدد والتنوع في المجتمع وتمارس الحكم الديمقراطي وشعار “لو دامت لغيرك لما وصلت إليك”.

ومن المهم إجماع الدول العربية والأجنبية على إدانة التمرد على السلطة من جانب الذين مارسوا القمع والنظام والمجازر وإدانة المجازر المروعة ضد المدنيين على خلفيات طائفية، وسط مسارعة الخطباء في إيران إلى استخدام تعبير “المقاومة ضد مسلحي تحرير الشام” والقول إن توقعات المرشد الأعلى علي خامنئي “قيد التحقيق”. لكن الأهم أن يسارع الرئيس الشرع إلى إنهاء المرحلة الانتقالية وتأليف الحكومة الشاملة بكل ما في المجتمع من تنوع، وإلا فإن مستقبل سوريا يراوح ما بين الصومال وليبيا.

فـ”هيئة تحرير الشام” أصغر من سوريا و”حكومة إدلب ليست على قياس دمشق” واندماج 18 فصيلاً مسلحاً لا يصنع جيشاً سورياً. فلا وثيقة صدرت حتى الآن ذكرت كلمة “ديمقراطية” بل بقيت في العموميات ولا استيلاء حكومة إدلب على كل مفاصل السلطة في سوريا يترك لأي حكومة شاملة، إذا جرى تأليفها، سوى العمل على طريقة الحكومات التي شكلها الأسد، الظهور في المنصب، لا ممارسة السلطة.

ومن الوهم تجاهل الأخطار والتحديات الداخلية والخارجية. فماذا تتوقع الإدارة الجديدة عندما تقرر تسريح مئات الآلاف في الجيش والأجهزة الأمنية والإدارة، كما فعل بول بريمر في العراق، حيث قوي تنظيم “القاعدة” وظهر “داعش”؟ ماذا عن الفقر الذي وصل إلى 90 في المئة من السوريين؟ وماذا عن هذا المناخ الذي تستطيع قوى خارجية استغلاله لتنفيذ مخططاتها؟

خامنئي تحدث منذ اليوم الأول عن “شباب ثوري” سيتحرك لإسقاط الوضع الجديد ومستشار المرشد الأعلى للشؤون الدولية علي أكبر ولايتي يرى “احتمال حرب أهلية” في سوريا، وإسرائيل التي دمرت كل أسلحة الجيش السوري واحتلت المنطقة العازلة وما بعدها، لا سيما مرتفعات جبل الشيخ توحي أن برنامجها المقبل هو تقسيم سوريا وأميركا تحت إدارة الرئيس دونالد ترمب تدعم حكومة بنيامين نتنياهو في كل ما تفعله في سوريا وغزة والضفة الغربية ولبنان.

وتركيا التي ربحت الحرب في سوريا عبر دعمها “هيئة تحرير الشام” والاستيلاء على السلطة تسعى إلى إكمال ما ربحته عبر ضرب “قوات سوريا الديمقراطية” والسيطرة على شرق الفرات بعد السيطرة على غربه واستخدام سوريا في دور البوابة التركية إلى العالم العربي، وروسيا تريد ما هو أكثر من الحفاظ على قاعدتي حميميم الجوية وطرطوس البحرية والعراق خائف من فوضى في سوريا تنتقل إليه ولبنان ليس في منأى عن أية مشكلة تضرب سوريا، لا بل إن سوريا هي ميزان الاستقرار أو الفوضى في الشرق الأوسط، ومن هنا أهمية الحفاظ على وحدتها وسلامة أراضيها وقيام نظام ديمقراطي تعددي فيها يشرف على إعادة الإعمار والنهوض الاقتصادي والاستقرار الاجتماعي. فلا دولة اللحى الطويلة يمكن أن تكون مستقبل سوريا ولا قول أحمد الشرع “إن سوريا ليست أفغانستان” يكفي، إذ ماذا لو كانت دمشق على الطريق إلى “نظام ’طالبان لايت‘”؟ ولا أحد يعرف ما الذي تستطيع روسيا فعله بـ”الاستعداد لتنسيق الجهود بصورة وثيقة مع الشركاء الأجانب لخفض التصعيد” في سوريا كما قال وزير الخارجية سيرغي لافروف. لكن الكل يعرف ما يستطيع الشعب السوري فعله للبلد إذا تمتع بالحرية ولم يوضع مرة أخرى في سجن نظام شمولي، سواء كان سلفياً أو مدنياً.

و”الويل لأمة تحسب المستبد بطلاً وترى الفاتح المذل رحيماً” كما قال جبران خليل جبران.

* نقلا عن ” اندبندت عربية”

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى