مقالات وآراءمميز

خليل فهمى يكتب: لبنان الأولى

 

بقلم.. خليل فهمى

المفارقة أنه كان أغسطس عام ١٩٨٨، حين أبلغني أستاذي حسني جندي بأن الأستاذ إبراهيم نافع قرر أن أسافر بيروت لتغطية مأزق الفراغ الدستوري المترتب على عدم انتخاب رئيس ليخلف أمين الجميل المنتهية رئاسته. لم أكن بعد سافرت بلدا خارج مصر، فكانت بيروت باكورة ما تفتحت عيني عليه خارج بلدي. ووسط خوف أمي رحمها الله ودعواتها ودموعها، وشجاعة أبي رحمه الله وتشجيعه، اعتبرتها رحلة مصيرية إما أن أبدأ بها مسيرة صحفية ناجحة أو تكتب شهادة فشل تظل بصمة عار تلاحقني. ركبت الطائرة اللبنانية وأنا أتلفت حولي في انتظار المجهول الذي نغطيه كل يوم عن لبنان آنذاك، والفضل بعد الله سبحانه يعود لأستاذي الكبير صلاح الدين حافظ الذي أوكل لي إعداد وتحرير صفحتي تيارات عربية بالأهرام الدولي أسبوعيا. نزلت بيروت والوجود السوري المعادي لمصر آنذاك يشغلني لولا حركة تعمدها ضابط سوري بالمطار معي ظننته يرهبني فرددت بعفوية مصرية أسعدته جدا، وأدركت أن هناك وحشة تواصل بين الأشقاء بسبب الخلافات السياسية..ودخلت بيروت متحسسا خطاي أبحث عن مواضع الألغام التي نسمع ونكتب عنها كي أتفاداها، ولكن كيف؟ أحد عشر يوما مكثتها في لبنان _بيروت تحديدا بشطريها آنذاك، لأتفاجأ يومها أنني أقرب من رحلة بركانية وانفجار محتمل، إلى رحلة حب وشوق وأحضان كبيرة وعبق وسحر لا ينسى، وتلقفني الفرقاء بنفس درجات الحب والمودة والعشق لمصر وزاده انتسابي للأهرام ذي الأصول اللبنانية، حتى ظننت ببراءة وسذاجة أنني قد أستطيع الوساطة بالحرب الأهلية. أحببت من يومها فيروز وصوتها على كورنيش الروشة بعد أن كنت عزوفا عنها لارتباط أذناي بأم كلثوم. ذهبت إلى الشرقية حتى جونيه وفي الغربية طفت بالحمراء ليل نهار، في انتظار المجهول، لكن دائما هناك صحبة، وتحدثت مع أهل لبنان واستمعت إليهم أكثر ، وكانت أكثرهم بغضا لمصر قابلتها، مصرفية ببنك المهجر، عاشقة متيمة بعبد الحليم حافظ، فما البال بمن أحبوها؟ سألت نفسي!..التقيت العماد عون قائد الجيش آنذاك الرئيس الحالي، وتوقعت بزوغ نجمه من جلسات السمر في بيروت وفزت بجائزة الصحافة الأولى العام التالي لما أصبت في التغطية الحافلة والتفاصيل التي عشتها، وكانت ولا تزال أمي الحبيبة بدموعها ودعائها ماثلة أمامي في كل بصمات الرحلة التي تسلمت جائزتها على مضض وهي راقدة بالمستشفى تتابعني في التليفزيون ، ولم أكن رغم ذلك أدري أنها ستكون رحلة الفتح المبين بعدها بحمده في حب دنيا الصحافة والإعلام. أسأل الله أن يفتح للبنان طاقة نور تشع في أرجاء منطقتنا المنكوبة. آمين.

زر الذهاب إلى الأعلى