مقالات وآراء

شكراً السيّد الوزير!

محمد الرميحي

لا أعرف إن كانت الحكمة التي تتردد والقائلة إن “في كل أزمة فرصة” هي بالفعل حكمة صينية أم أن الناس تعارفوا على أن تكون الحكمة هي القادمة من بعيد، ولكنها تنطبق على تصريحات السيد وزير الإعلام اللبناني جورج قرداحي. ربما هو لم يدرك أنه بتصريحه توجه الى التفسير التبسيطي وغير العادل لأهم وأخطر صراع في منطقتنا ودلل على فهمه غير الدقيق أو الانتقائي للمظهر الصراعي في المنطقة، كما أنه في نفس الوقت قدم خدمة “جليلة” أو قل أضاف تأكيداً على ما يعرفه العقلاء وهو أن الصراع المخاض في منطقتنا بالدم وخراب الأوطان هو بالتأكيد ليس طائفياً. فالسيد الوزير ينتمي الى مذهب كريم ولكن مختلف عن المذهب الاثني عشري، وذلك يؤكد المؤكد “أن الصراع الذي يتجلى أمامنا هو سياسي بامتياز”.

والتحيز له أو مقاومته ليس حكراً على طائفة أو مذهب، فهناك كثيرون من الطائفة الشيعية الكريمة ليسوا بالضرورة مع مشروع الجمهورية الإيرانية أو تابعيها والتي ترغب قيادتها في بسط “الهيمنة القومية الإيرانية” من خلال بيع الشعارات على التابعين، وبالتالي فإن “شد العصب الطائفي” هو لأغراض سياسية، كما أن ليس كل المناصرين من تلك الطائفة مؤمنين بالمشروع. كثيرون يخضعون لعوامل أخرى تحملهم على الصمت.

لذلك فإن المشروع المطروح يقع في “فضاء السياسة” وليس في ” فضاء الدين/ المذهب” بدليل أن السيد قرداحي يناصره وهو ليس الوحيد. هذه نقطة أهدانا إياها السيد الوزير، فكثيراً ما قلنا إن المشروع ليس طائفياً بل سياسي، ولكنّ هناك متعصبين يخرجون الصراع من السياسي الى المذهبي. وفقط من أجل التذكير فإن للسيد الوزير قرداحي تغريدة ليست قديمة كثيراً كتبها في وسط أيار (مايو) هذا العام تناقض ما ذهبت اليه تصريحاته، وأنقلها بالنص، يقول السيد قرداحي في تعليقه على ما ارتكبه وزير الخارجية اللبناني السيد شربل وهبة وقتها من عنصرية عندما حقّر (البدو) قال السيد قرداحي… “السيد وزير خارجية لبنان، انت لست أهلاً لهذا المنصب (وزارة الخارجية أو أي وزارة) فإذا كانت لك كرامة تفضل بتقديم استقالتك… سمعنا كلامكم ولا يليق بلبنان. أهل البدو الذين ذكرتهم هم أهلنا وفضلهم كبير على لبنان، وحضرتك ارتكبت حماقة لا تغتفر… فرجاء استقل..”.
هذه بالضبط تغريدة السيد قرداحي قبل أشهر، فأي قرداحي نصدق؟. ما يعيبه على وزير الخارجية الأسبق ارتكب مثله السيد وزير الإعلام. لم يكن قوله وقتذاك مستغرباً، فربما كثير من اللبنانيين يعرفون دول الخليج من أقصاها والى أقصاها، والعلاقات متقاطعة، وكان السيد الوزير قرداحي قد عمل ردحاً من الزمن ليس بالقصير مع إخوته في مؤسسات إعلامية خليجية، وليس هناك منة أو فضل، ولكن القصد أنه خير من يعرف تلك المجتمعات وتعامل مع مؤسساتها وناسها. ولكن ربما قد خانه ذكاؤه، فهو كما يعرف الجميع، عضو في وزارة موقتة لها موعد مضروب في آذار (مارس) 2022 حتى الانتخابات القادمة، وهي وزارة تأتي في مرحلة صعبة بل حرجة جداً على لبنان، وكل من يعرف لبنان يتألم على الوضع الصعب ليس من اللبنانيين، ولكن من إخوة عرب لهم عاطفة عربية وهم أبناء الخليج، فالاهتمام كان يحب أن ينصرف الى إنقاذ ما يمكن إنقاذه وليس التنظير في مآلات الحروب المجاورة، يكفي لبنان حروبه!.

على أقل تقدير كان السيد الوزير انتقائياً، فالحرب في اليمن هي بين حكومة شرعية وبين مجموعة إنقلابية تأتمر بأمر الخارج، وتقدم مشروعاً ظلامياً، ففي اليمن الذي قدم للثقافة العربية بعضاً من المقامات الموسيقية يطارد الحوثي الفنانين ويقتل الموسيقيين، ذلك على سبيل المثال لا الحصر، وفقط لو اطلع السيد قرداحي على طريقة معاملة المرأة اليمنية في ظل الحوثي لربما هاله الأمر.

ليس لدي شك أن السيد الوزير ليس من قماشة “قبول المشروع الإيراني: في العمق، فذاك المشروع لم يقدم لأهله إلا الفقر والتخلف والسجون وتراجع الاقتصاد، والأهم من كل ذلك القمع غير المسبوق حتى منذ وقت ملك الملوك شاه ايران السابق، ولا اعتقد أن السيد قرداحي يرغب أن يعيش في ظل هكذا مجتمع، وهو المجتمع الذي يبشر به الحوثي في اليمن، ويريد “حزب الله” أن يفرضه على لبنان وهو أحد أهم عوامل ما يحدث في لبنان اليوم من انهيار، كما لو اطلع على حجم وعدد السجون في الشقيقة إيران لعاد الى حساب الواقع. لا أحد يجادل أن الصراع سياسيٌ بين قطبين، “بين محاولات التحديث واللحاق بالعصر” من جهة، وبين “القمع والإرهاب” وتلاشي المؤسسات من جهة أخرى، والسيد الوزير قرداحي يعرف أيضاً ما فعلته “السلطة الأمنية السورية” في بعض أهله لإسكات الصوت اللبناني الحر. بقاء السيد الوزير أو ذهابه لن يضيف أو ينقص شيئاً في معادلة الصراع بالنسبة للآخرين، احتجاج الدول الخليجية على تصريحاته كونه وزيراً في وزاره رسمية، وليس لشخصه، فكان لا بد من إظهار الاشمئزاز ليس أكثر. المحزن أن يبرر المذابح والتهجير والقتل بالبراميل في البلاد السورية والاضطهاد في البلاد الإيرانية واختطاف موطنه لبنان الذي فقد مخبر ومظهر الدولة. ينسى كل ذلك وهو يعرف أن “الأقربين” أولى بالنصيحة!!

نقلا عن النهار

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط.

زر الذهاب إلى الأعلى