فلسفة الخواطر: بيني وبيتي نموذجا
الدكتورة رفيقة بن رجب
أستاذ مشارك في النقد والبلاغة
إن الجمع بين ثنائيات المألوف واللامألوف يعتمد عادة على الرؤيا الإبداعية التي تكتسب خصوصيتها أو انزياحها من خلال تلك الملامح والإشارات التي تضمنتها الخواطر الهادفة.
ومثل هل هذا النتاج الفني بتنوع الخواطر وتباين المقاصد بات موازيا للحياة، بل أصبح هو المتواتر بخصوصية مزجت بين عالمين القديم والحديث بأسلوب جمالي وهذا ربما سوف يمنح العمل صخبا وضجيجا قريبا من القلب والوجدان دون أن يسلبه شيئا من روحه أو فلسفته الجمالية.
ونؤكد هنا على ما أسماه بشر بن المعتمر في صحيفته منذ آلاف السنين بساعة التجلي وما تحمله هذه الساعة من إلهام فكري منتج فهي تلك الساعة التي تتواشج فيها المعاني والألفاظ والمضامين والتي قد تعجز عن استيفائه في سنين طوال وأنت تبحث عن إحراز المنفعة.
ومن هذا المنطلق ربما فكرت شاعرتنا الملهمة بموضوع تلك الخواطر التي تحتاج من المتلقي قراءة متأنية لما ما بين سطورها بتمعن ووعي كي تتضح لديه الرؤيا ؛لتعزف لحنا جميلا هادئا يؤكد على الطاقة الحضورية التي سوف تضع في اعتبارها أثناء الكتابة مراعاة الإتقان والانسجام والرواق الجمالي والفكري الذي ساهم في فتح منجز المعطيات حتى يلامس كل القضايا المطروحة.
وهذا ما جعلها تقول في مقدمة الكتاب:” كتاب بيني وبيني ليس نصوصا بل نفحات من كلمات تمشي على أطراف المعنى…”
وهنا تبرز لدينا كقراء معالم الإبداع الدلاليّــة المغيّبة تحـــت ركـــام التمــويــه الغرائبيّ؛ لخلـــق نــوع مـــن التـــوازي الدلاليّ بـــين العناصــر الحضوريّــة والغيابيّة من خلال تنوع واختلاف مقاصد تلك الخواطر. والشاعرة في هذا المنحى باتت تؤسس لفلسفة ذات سمت عريق له قيمة محاطة بثوابت نسقية متداخلة مع دائرة الخطاب الجمالي التي يعيها جيدا جمهور المتخصصين والمهتمين بتلك الهواجس.
وقراءتي المتواضعة للكتاب كاملا وتمعني جيدا كعادتي في الغوص في عوالم تلك الخواطر كشف لي: إن الشاعرة كلثم تدير حوارات فكرية ونفسية مع عدة أطراف ملموسة ؛ لمحاولة تشريحها وبث الحياة في ثناياها لأنها تعاملت مع تلك الخواطر بنفس قوى وفاعلية ثقافية وأهداف نموذجية دون ضياع الهدف الأساسي الذي جعلها نخوض هذه التجربة الجديدة خاصة وأنها شاعرة معروفة على أوسع نطاق.
وهي في خوضها لفن جديد ترغب في اجتياز الرهان على الإبداع بحضور فاعل ولافت مع التركيز على الخروج من عباءة النمطية سعيًا وراء التجديد لتقديم الانعطافات الاستراتيجية الممتهنة لتجسيد العمل الفني المتكامل بالشكل الذي يليق بها باعتبارها قد تبوأت المكانة المرموقة على جميع المستويات وهذا لا شك يعكس عملا متكاملا يذكره الناس وتتفاخر به الأجيال المتذوقة بصفة خاصة.



