مقالات وآراء

إسرائيل والعالم.. أزمة المحتوى

أيمن خالد

يشكل اليمين الإسرائيلي المتطرف اليوم أزمة عالمية يصعب حلها ضمن مسار القضية الفلسطينية بمفرده، كونها أزمة تتعارض والمصالح الاقتصادية والسياسية والقيم الفكرية لدول العالم بسببالخطاب الإسرائيلي المتطرف، المتجه نحو منعطف إنساني خطير، ما يعني السكوت عليه أن العالم سوف يواجه مصائر إنسانية مشابهة في المستقبل يمسّ النتاج الإنساني على المستوى الإدراكي والمعرفي طوال الحقبة الماضية، ويصبح على مقربة من انكسار العامل الزمني الذي حمل خلاصة العصور الماضية من هذا النتاج الذي أصبح يشكل مظلة الدولة الحديثة والقانون الدولي ومؤسساته والتي حال الانصياع لها تصنع حلولاً جبارة قادرة على تأمين سلامة إنسان العصر، والقيمة المثلى للحضارة، بدلاً من العودة إلى زمن الغاب.

ما يقوم به اليمين المتطرف أنه يعمل على إرساء منهج ” اللا حلول”ومدى تأثير ذلك على مفهومي الحرب والسلام في الثقافة العالمية، وبالتالي يصبح استنزاف الطرف القوي للضعيف مادة مألوفة تقترنخلالها لغة القوة والانتصار مع ظواهر الإبادة البشرية، ما يجعل الصراعات تغادر دائرة المصالح والحسابات السياسية نحو منعطف تصبح فيه الحروب مفتوحة الأفق، يتم تبريرها على أساس ديني وعرقي، وربما عبر غطاء تبريري يرتكز على مفهوم الأمن، وهو المفهوم الذي يعمل اليوم اليمين المتطرف على إعادة انتاجه وفقنظرية المؤامرة، لكن هذه النظرية لا تظهر في إسرائيل في الزوايا المغلقة كما تظهر في بقية الدول، بقدر ما يصنعها رأس الهرم السياسي، ثم تهبط هذه الفلسفة نحو الأسفل رويدا رويدا ثم تتحول الى كائنات افتراضية تحسبها مليشيا كلامية متاحة في كل مكان، وظيفتها التأكيد على وجود الخطر غير المرئي، والذي يتم ترجمته في الذهاب الى غزة في حرب غادرت دلالتها السياسية من هدف استرداد الرهائن نحو أكوام اللحم البشري، وكأنه جزء من متممات الحدث. ثم ينتقل ما يحدث في غزة نحو الضفة الفلسطينية، عبر مزيد من الاستيطان والتطويق والهدم وصولاً إلى فكرة ضم الضفة وتهجير أهلها.
ثم تصبح مشكلة الأمن أكبر من الفلسطينيين، وبذلك يتجه نتنياهو شمالاً نحو سوريا، والمطلوب هو إقامة منطقة منزوعة السلاحجنوبي سوريا، وهي منطقة مساحتها أكبر من مساحة لبنان، بمعنى أنه يريد جنوب سوريا منطقة رخوة، وهي المنطقة التي كانت تتخللها طرقاً عديدة استثمرتها مليشيات النظام السابق في مسألة تهريب المخدرات خارج حدود سوريا، فكيف يمكن الاخلال بالأمن ليكون وسيلة من أجل تحقيق الأمن، إذا كنا أمام مساحات واسعة، تحتاج في الظروف الطبيعية إلى قوى خاصة وإمكانات أمنية كبيرة حتى تضبط الأمن بداخلها.

هي ذات المعادلة التي اشتغل عليها اليمين الإسرائيلي خلال السنوات الماضية بكثافة في المشهد الفلسطيني، والتي تنطلق من خلال فكرة التخادم، وما نقصده هنا سياسة منح الذرائع، لأنه في حال عدم وجود ذريعة، سيكون التبرير الإسرائيلي لأي اعتداء غير مكتمل، من هنا لا تعيش الحكومة اليمينية الحالية دون خلق الذرائع التي تتيح لها إعادة انتاج فكرة أن إسرائيل تواجه خطراً وجودياً في المنطقة، ومثل هذه الذرائع تكمل صورة المشهد الداخلي والذي يتضمن فكرة الهروب من الاستحقاق السياسي والذي تجد إسرائيل نفسها أمامه.

هناك أزمة محتوى ظاهرة للعيان، بين العالم من جانب وبين إسرائيل والتي بدأت تخسر على المستوى العالمي، فهي بحسب وصف الرئيس الأمريكي في معرض حديثه لموقع (ذا ديلي كولر) أنها خسرت قوتها داخل الكونغرس بما لم يحدث من وجهة نظره خلال 20 سنة، ثم يشير إلى حرب إسرائيل على غزة والتي قد تنتصر عسكريا بحسب وجهة نظره لكنها لن تربح في عالم العلاقات العامة. وهنا يمكن رؤية الصورة بشكل أوضح، أن المسألة ليست خسارة قابلة للتعويض في المستقبل، بقدر ما هو تعارض واسع في المحتوى بين اليمين المتطرف في اسرائيل وبين العالم، الذي لا يستطيع أن يعيد تكوينه الحضاري والتاريخي ليكون على مقاس اليمين المتطرف في إسرائيل، هذا اليمين الذي يريد محو القانون الدولي وتغييب المصالح الدولية وخلق مزيد من الصراعات في الشرق الأوسط ما يعني انه يقود العالم نحو حروب مفتوحة بلا افق، ولأجل هدف واحد وهو الهروب من الاستحقاق السياسي الذي يصب في مصلحة الفلسطينيين والمنطقة.

ما يقوم به اليمين الإسرائيلي نتائجه تتجاوز مسألة العزلة والخسارة على الصعيد الدبلوماسي، فالمسألة أصبحت أن إسرائيل ومن خلال هذه الفئة الحاكمة بدأت تتحول إلى عبء على العالم بمحتواه المادي والثقافي والقيم الإنسانية المشتركة بين البشر، أمام صعود الصوت العربي الذي يرتكز على منظومة الحقوق المادية والإنسانية التي أقرتها المنظومة الدولية، والتي على أساسها تقترب الدولة الفلسطينية من تحولها إلى واقع.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى