من يحمي من في لبنان؟
شهد الأسبوع الماضي مسيرات ليلية على دراجات نارية يقوم بها أعضاء “حزب الله” في الضاحية الجنوبية لبيروت، في ظاهرها احتجاجاً على قرار الدولة اللبنانية بتوحيد السلاح في لبنان. هذه المسيرات يقوم بحراستها الجيش اللبناني، مما يذكر بسؤال من يحمي لبنان؟ هل هو “حزب الله”، أم الدولة اللبنانية؟
في المشهد السابق، الدولة اللبنانية تحمي “حزب الله”، لأنه قبل أشهر كان هناك إعلان على وسائل التواصل من أفيخاي أدرعي، يشير فيه إلى مربعات في الضاحية الجنوبية كأهداف عسكرية، فيخرج سكان هذه المربعات هاربين من احتمال القصف، ولكنهم يخرجون على أرجلهم من دون الدراجات النارية!
هذه المقابلة بين المشهدين تقول لنا من يحمي لبنان!
سردية الحزب التي تتغير بتغيّر الظروف، تقول بأن هناك احتلالاً لبعض المناطق اللبنانية وقبل أي شيء آخر، يجب أن يزول ذلك الاحتلال، ولكن السؤال الأهم: من سهّل هذا الاحتلال؟ لقد سهّله الحزب عندما شارك في ما سماها حرب الإسناد، وتبين أن هذه المساندة هي فقط موقتة، بحيث وافقت الحكومة اللبنانية برئاسة السيد ميقاتي، وكان ثقل الحزب فيها وازناً، وبموافقة رئيس البرلمان، على وقف النار بالشروط التي أصبحت معروفة، والتي تقول بتجريد “حزب الله” من سلاحه!
كل السرديات الأخرى التي نسمعها من متحدثي الحزب، هي في حقيقة الأمر ذرائع، تقدم كأنها حقائق. إحدى السرديات تقول إن حوادث صبرا وشاتيلا في لبنان الثمانينات، جاءت بسبب تسليم سلاح الميليشيات الفلسطينية، وبالتالي تعرضوا لعمليات اغتيال واسعة، وهي مناقضة لما كان!
الواقع يقول إن استمرار سلاح “حزب الله” يعني استمرار انشقاق المجتمع اللبناني، ويعني ضعف الدولة اللبنانية، ويعني فوق ذلك قدرة إسرائيل على التصرف، كما هو موثق في الأوراق التي وقعت بين الحكومة اللبنانية السابقة وبين إسرائيل والمجتمع الدولي.
القضية هنا متشعبة، بسبب أصيل هو تدخل إيران، التي لا تزال تعتقد بالاحتفاظ بعدد من المجموعات المسلحة في الدول العربية (الأذرع) ليغنيها عن خوض حرب على أراضيها مع إسرائيل، أو مع دول أخرى. هذه الفرضية سقطت في حرب الاثني عشر يوماً التي نشبت بين إسرائيل وإيران.
“حزب الله” في لبنان كما تبين الوقائع لم يستطع أن يصد إسرائيل عن الاعتداء على لبنان، بل كان ذريعة في ذاته لذلك الاعتداء. ومرة تلو مرة سواء في عام 2006 أو في عام 2023 نجد أن “حزب الله” لا يستطيع أن يقف أمام الآلة العسكرية الإسرائيلية، فهي مؤيدة من القوى العظمى، وبخاصة الولايات المتحدة، ليس بالسلاح وهو كثير، وبالتقنية وهي عظيمة، ولكن أيضاً بالموقف السياسي في المحافل الدولية.
السيد جواد ظريف وزير الخارجية الأسبق في كتابه الأخير يقدم نصيحة، بحيث يقول إن “إيران طموحاتها كبيرة وقدراتها محدودة”، هذه الشهادة من الداخل، يؤكدها أيضاً الكثير من الشواهد الأخرى، منها الفشل الاقتصادي الكبير، ومنها هجرة المتعلمين الإيرانيين إلى الخارج، ومنها ارتفاع أكلاف المعيشة، وأيضاً ارتفاع البطالة، وفوق كل هذا فشل في إدارة المجتمع إلا بالقوة.
ضعف إيران نسبياً أمام إسرائيل، بسبب ضعف الدولة الإيرانية في تطوير اقتصاد قوي ومستقر، والاعتماد على النفط الذي يباع بأسعار أرخص جعل البنية التحتية والصناعات العسكرية أقل تطوراً، مقارنة بمقدرات إسرائيل المدعومة تكنولوجياً بقوة عظمى. فوق ذلك فإن النظام الثوري الإيراني ركز السلطة في أيدي مؤسسات غير منتخبة، وأيضاً وسع الزبائنية في المناصب الحكومية العليا، مما قلل الكفاءة، بجانب فقدان الرأي والرأي الآخر. فالصراعات بين التيارات محافظين وإصلاحيين، وفي ما بينهما، شغلت النظام عن إصلاحات حقيقية، كما أنفقت إيران مليارات الدولارات لدعم حلفائها في لبنان وسوريا والعراق واليمن، ما أضعف قدرتها على تركيز الموارد. كل ذلك إضافة إلى العزلة الدولية…
فهل تقوم إيران بمراجعة جذرية لسياساتها الإقليمية التي كلفتها كثيراً كما كلفت النظام الإقليمي! و تترك اللبنانيين يعتنون بدولتهم؟
نقلا عن النهار