الدبلوماسية.. والتغيرات الاقتصادية

يمر العالم بتحولات اقتصادية متسارعة وصعبة، تجعل تداخل القضايا الاقتصادية واضحا مع العلاقات الدولية، حيث تواجه الدول تحديات غير مسبوقة من تقلبات الأسواق وأسعار الذهب والفضة والمعادن والعملات الورقية والرقمية والأسهم العالمية، والقرارات في اغلاق او فتح طرق الملاحة البحرية أو تقلبات فرض الرسوم الجمركية، مما يجعل التحولات في مراكز القوة الاقتصادية متسارعة جداً دولياً، وفي هذا السياق تتزايد أهمية الدبلوماسية بين الدول في توجيه السياسات، وتخفيف الضغوط من القرارات العالمية، وفتح آفاق جديدة للتعاون الدولي بين العديد من الأطراف العالمية ذات الثقل الاقتصادي.
يشهد عام 2025 تغيرات اقتصادية كبرى أثرت في الاقتصاد العالمي، فمن جهة أدت الابتكارات التكنولوجية، مثل الذكاء الاصطناعي والتوسع في استخدام الطاقة المتجددة وتحويل الصناعات والمركبات البترولية الى مركبات كهربائية، إلى تغييرات هيكلية في الاقتصادات الكبرى، كما أن بروز قوى اقتصادية جديدة في آسيا وأفريقيا خلق توازنات جديدة في العلاقات الدولية بالعالم، كل هذه التغيرات خلقت بيئة غير مستقرة تتطلب أدوات دبلوماسية فعالة للتعامل مع مستجداتها، وفي ظل هذه التحولات، لم تعد العلاقات الاقتصادية تدار فقط من خلال السياسات الداخلية، بل أصبحت تعتمد بشكل كبير على التفاوض والتنسيق الدولي وهنا تأتي أهمية الدبلوماسية الاقتصادية، وهي فرع من العلوم السياسية التي تُدرس وتُركز على تعزيز المصالح الاقتصادية للدولة، مع المحيط الإقليمي والعالمي، فعلى سبيل المثال تحتاج الدول إلى التفاوض بشأن اتفاقيات تجارية جديدة وفتح نوافذ للتعاون والتبادل التجاري الحديث، وتتطلب مقترحات لتعديل شروط اتفاقيات قديمة لتناسب المتغيرات الاقتصادية، كما تلعب الدبلوماسية دورًا في جذب الاستثمارات الأجنبية، وفتح أسواق جديدة أمام الصادرات، وتوفير فرص للشراكات التكنولوجية الحديثة.
تلعب الدبلوماسية كذلك دورًا مهمًا في بناء الصورة الدولية للبلد وتعزيز مكانته في النظام العالمي والتهدئة لحل الخلافات ان وُجِدت، فالدولة التي تتمتع بعلاقات خارجية قوية وتحترم الاتفاقيات الدولية، وتشارك بفاعلية في حل الأزمات العالمية، تنال احترامًا ومكانة يتيحان لها التأثير في القرارات العالمية والدولية، وهذا التأثير يمكن أن يُترجم إلى مزايا اقتصادية مثل الوصول إلى الأسواق، والتسهيلات التمويلية، والدعم السياسي في المحافل الدولية، وأصبحت الدبلوماسية ضرورة استراتيجية للتعامل مع عالم اقتصادي متغير، وأداة لضمان المصالح الوطنية، وتجنب النزاعات وبناء صورة إيجابية للدولة، ومع تزايد الاعتماد على الترابط العالمي، فإن الاستثمار في تطوير القدرات الدبلوماسية وتعزيز الكفاءات في هذا المجال سيكون من العوامل الحاسمة في نجاح الدول في هذا العصر الحديث.
ودمتم سالمين،،،
*نقلا عن القبس