صحةعربي ودوليمميز

بلازما المتعافين من كورونا.. بين النبل والتضحية وجشع سماسرة السوق السوداء

مصادر ـ دبى

تأتي الأزمات فيظهر الناس على حقيقتهم، يتأرجحون بين صفات الكرم والفداء والتضحية، وكذلك بين الأنانية والاستغلال والجشع.

وجاءت أزمة فيروس كورونا المستجد لتظهر “الجيش الأبيض” من العاملين بالمنظومة الصحية، بكل معاني التضحية من أجل الآخرين، ولو على حساب حياتهم الشخصية، حتى إن الثمن الذي دفعه كثيرون بلغ حد الموت.

وأظهرت الأزمة أيضا مجموعة من الأشخاص المستغلين المتسلحين بالجشع، الذين راحوا يستغلون الأزمة لتحقيق أرباح فلكية، سواء من خلال السوق السوداء أو احتكار بعض الأدوية والمستلزمات الطبية، اللازمة لإنقاذ حياة البعض.

وأطل وجه قبيح آخر في الآونة الأخيرة عبر الاتجار في بلازما دم المتعافين من الفيروس، بالتزامن مع صدور نتائج دراسات تؤكد أن الأجسام المضادة الموجودة بها تمثل علاجا ناجعا وفعالا لمرضى “كوفيد 19″، الذي يسببه فيروس كورونا.

واستخدام الأجسام المضادة، تقنية علاجية قديمة، يعود تاريخها إلى أكثر من 100 عام خلال وباء الإنفلونزا الإسبانية، ومؤخراً استخدمت مع فيروس الإيبولا في 2014.

وتقوم فكرتها على الاستفادة من استجابة الجهاز المناعي لدى المتعافين من الفيروس، حيث يقوم الجهاز بإنشاء أجسام مضادة تقوم بمهاجمة الفيروس، وتنجح بذلك في القضاء عليه ويتعافى المريض، وبعد ذلك وبمرور الوقت تتراكم هذه الأجسام في الجزء السائل من الدم “البلازما” في جسم الشخص المتعافي، فيتم عزلها من البلازما لاستخدامها في علاج أشخاص آخرين مصابين لم تنجح أجسامهم في إنتاج الأجسام المضادة اللازمة للتغلب على الفيروس.

وما أن تم الإعلان عن نجاح هذه التقنية في علاج الالاف من مرضى كورونا، حتى ظهر فريقان في العالم، فريق يتوجه فيه المتعافون إلى المستشفيات للتبرع ببلازما الدم لديهم من اجل علاج المصابين “مجانا”، وفريق يضم أطباء ومستشفيات وسماسرة راحوا يعرضون المال على بعض المتعافين كي ينالوا البلازما لديهم بقصد الإتجار تارة، أو بقصد توفيرها لشخص تسمح حالته الاقتصادية دفع مبلغ جيد من المال كي يحصل على العلاج فورا دون انتظار دوره في لائحة أو ما إلى ذلك.

في إبريل الماضي، قال بروس ساشايس، كبير الأطباء في مركز الدم في نيويورك لهيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي)، إنه “لمن دواعي الارتياح الشديد أن نرى الأشخاص الذين مروا بالعدوى، بدرجات مختلفة، همهم الرئيسي هو” كيف يمكنهم الآن مساعدة الآخرين؟، فلدينا الآن المئات من المتبرعين وتمكنا من جمع أكثر من 1000 وحدة من البلازما”.

وتكرر نفس الأمر في بريطانيا، حيث وجهت وحدة نقل الدم وزراعة الأعضاء نداءات عبر موقعها الالكتروني لبعض المتعافين من الفيروس للتبرع بدمائهم حتى يمكن استخدام الأجسام المضادة الموجود في بلازما الدم في تجارب العلاج، ونجحت في جمع أكثر من 10 آلاف وحدة دم أسبوعيا بحلول شهر يونيو/ حزيران الجاري.

ونقلت هيئة الإذاعة البريطانية عن إحدى المتبرعات قولها: “لم أفكر في السابق بالتبرع بالدم، لكني قررت المشاركة بعد أن قرأت شيئاً عن أهمية هذا العلاج على شبكات التواصل الاجتماعي”.

وتكرر الأمر في مصر أيضا، حيث قال الدكتور إيهاب سراج الدين، مدير عام خدمات نقل الدم بوزارة الصحة، إن نسب التعافي من فيروس كورونا من خلال العلاج ببلازما الدم كبيرة للغاية، مشيرا إلى دراسات بحثية إكلينيكية تم البدء فيها منذ شهر أبريل الماضي، وجاءت نتائجها مبشرة جدا.

وأضاف مدير عام خدمات نقل الدم بوزارة الصحة المصرية، في تصريحات تليفزيونية على قناة “إكسترا نيوز”، أن وزيرة الصحة الدكتورة هالة زايد ناشدت المتعافين من كورونا بأن يتبرعوا بالبلازما، لأن نتائج العلاج به جيدة للغاية، كما أمرت بزيادة المراكز الإقليمية التي تستقبل المتبرعين بالبلازما، وأكد أن عدد المتبرعين ببلازما الدم في مصر زاد بقوة، خاصة بعد إعلان الأزهر الشريف وجوب تبرع المتعافين ببلازما الدم، وفتوى دار الإفتاء عن هذا الموضوع.

وشجعت التجربة الوزيرة د. هالة زايد على إطلاق نداء تحث فيه المتعافين على التبرع بالدم من خلال 14 مركزا لجمع البلازما في مختلف محافظات الجمهورية، موضحة أن بلازما أحد المتعافين يمكن أن تكفي لحقن اثنين من المصابين أصحاب الحالات الحرجة.

في المقابل، وثقت السلطات المصرية ظهور سماسرة بلازما دم على الإنترنت وصفحات مواقع التواصل الاجتماعي، لشراء الدم من المتعافين، مستفيدين من إعلان وزيرة الصحة المصرية عن نجاح تجربة المستشفيات المصرية لعلاج المصابين ببلازما دم المتعافين.

وأصدر الأزهر فتوى بتحريم بيع بلازما الدم، مؤكداً أن هذا السلوك لا ينبغي أنْ يتعامل به مريضُ الأمس مع مريضِ اليوم.

وقال: ” إن جسد الإنسان بما حواه من لحم ودم ملك للخالق سبحانه لا ملكا للعبد، ولا يحق لأحد أن يبيع ما لا يملك”، مضيفاً: “ثم إنّ ثمن الدّم حرام لا يجوز، لأن الشيء إذا حٌرم أكله حُرم بيعه وثمنه”.

وتابع: “أشد من بيع الدم حرمة أن يتاجر المُتعافي بآلام الناس فيبالغ في ثمن دمه، ويعقد عليه مزادا سريّا أو علنيّا، وأن يستغل حاجة الناس ومرضهم وفاقتهم”.

ودخل البرلمان المصري على خط الأزمة، وتقدمت النائبة آمال رزق الله، عضو مجلس النواب اليوم بطلب إحاطة، موجه إلى رئيس مجلس الوزراء، ووزيرة الصحة، بشأن المتاجرة في بيع بلازما دم المتعافين من فيروس كورونا وبيعها للمرضى بمبالغ طائلة وتهرب المتعافين من التواصل مع الصحة للتبرع بها لإنقاذ الحالات الحرجة، وطالبت رزق الله بتوقيع عقوبات مشددة على المتاجرين.

وتراوحت الأسعار الأكثر تداولا بين 10 آلاف إلى 25 ألف جنيه للتر الواحد من بلازما دم المتعافين في مصر.

وتكرر الأمر ذاته في العراق، فبعد إعلان ممثل منظمة الصحة العالمية في العراق، أدهم إسماعيل، في مطلع مايو/ آيار الماضي، نجاح تجارب بلازما الدم التي أجرتها وزارة الصحة العراقية، ارتفعت أسهم أسعار البلازما إلى أرقام خيالية، حتى وصلت إلى 2000 دولار. للتر الواحد.

ولم تستقبل مستشفى البصرة سوى 50 مريضا فقط من المتعافين جاءوا للتبرع بدمائهم من أصل 630 مريضا تعافوا من المرض في المستشفى، رغم مناشدة الأطباء ووزارة الصحة لهم بالتبرع، بحسب ما قاله الطبيب العراقي محمود فؤاد، على صفحته على موقع فيسبوك.

وتدخل المجمع الفقهي في العراق، قائلاً في بيان: “ولما كان لا يجوز بيع الدم بإجماع العلماء، كذلك لا يجوز بيع البلازما، للقاعدة الفقهية (التابع تابع في الحكم)”.

وأكد المجمع أن التبرع ببلازما الدم يندرج ضمن مسألة التبرع بالدم لإنقاذ حياة الآخرين، مشيراً إلى أن حكمه الشرعي أنه واجب على الكفاية إن حصلت ببعضهم الكفاية، وإن لم تحصل الكفاية وجب على جميع المتعافين من المرض التبرع لإنقاذ حياة مصابين آخرين.

زر الذهاب إلى الأعلى