مقالات وآراء

حق الكد والسعاية.. مقاربات تأصيلية لحقوق المرأة المسلمة

حسين القاضي

إن للمرأة حقوقها مثل الرجل، من حيث القيمة الإنسانية، والشخصية الاعتبارية، وسائر التصرفات، وقد سوَّى الإسلام بين الرجل والمرأة في التكاليف والواجبات، وضمن لها كامل شخصيتها المدنية المستقلة، ثم لأسباب كثيرة وقعت المرأة المسلمة بين حدَّى تيارينِ حجبا الصورة التي رسمها الإسلام للمرأة: تيار الطغيان، وتيار الجمود، وأضحى وضعها الموجود في واقع التدين الشكلي والمتشدد من هموم الإنسانية في هذا العصر، ومن حقوقها: حق الكد والسعاية المقررة لاستقلالية ذمة المرأة المالية، وفق قوله تعالى: {لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبْنَ}.

وقد صدر مؤخرا عن دار نهضة مصر، كتاب: (حق الكد والسعاية.. مقاربات تأصيلية لحقوق المرأة المسلمة)، للمفكر المغربي الكبير الدكتور محمد بشاري، أمين عام المجلس العالمي للمجتمعات المسلمة، وعضو مجمع الفقه الإسلامي الدولي، والذي يحمل تقديرا خاصا لمصر وأهلها.

يأتي كتاب (حق الكد والسعاية) كمساهمة من المؤلف فى مسار تأصيل حقوق المرأة المسلمة وفق نظرة اجتهادية شرعية، فى قضية حق الكد والسعاية، وهو الذى يحفظ حقوق المرأة العاملة التى بذلت جهوداً فى تنمية ثروة زوجها، وحق الكد والسعاية موجود في كتب التراث، ويحفظ استقلالية المرأة في ذمتها المالية إن تم تنفيذه بصورة اجتهادية تراعي فقه الحياة وفقه الشرع وواقع الأسرة.

يذهب الدكتور بشاري إلى أنّ هذه النازلة الفقهية يترتب عليها ارتقاء فى التماسك الأسرى وتوثيق روابط العلاقة الزوجية، وتلعب دورا مهما في تحصين مال الزوج من السحت وأكل مال زوجته وكدها بالباطل، في وقت زادت فيه حالات الطلاق وتفشت ظاهرة التمزق الأسري.

يقول المؤلف: وبعد السبر في مجالات وزوايا هذا الجهد البحثي المتواضع، وجدنا أنَّ لمسألة حق الكد والسعاية المثارة فى القرن العاشر ما يفند مزاعم الذين قالوا بغلق باب الاجتهاد، ويدل على أنّ حركة الاجتهاد الفقهي لم تنقطع على مدار السنين وفي مختلف الأمصار، وفي النظر الفقهي للمسألة اعتبار واضح للواقع على أساس أنّه شريك في استنباط الأحكام الفقهية، فلم ينبع من ترف فكري تنظيري، وإنما هو تفعيل أحكام الشرع في الواقع بمحاكاة مستمرة ومستميتة لقضايا الناس.

المؤلف وضع نصب عينيه الواقع الجديد ومقاصد الشريعة، ولم يغرد مؤلفه فى عالم افتراضي، بل قدَّر حجم التجاذبات التى كانت بين الفقهاء، ولامس جهودهم، وأدلة كل طرف، واقترب من بنيتها الاستدلالية، ونسقها الدلالي.

عطفاً على ما سبق طالب المؤلف بإدراج حق الكد والسعاية كنظام إلزامي مدني، بمرجعية شرعية وتطبيق تاريخي، باعتبار ذلك من الأمور الأساسية التي علينا النظر فيها، لما تحمله من آثار ملموسة ومهمة على حاضرنا ومستقبل أجيالنا الصاعدة، لا سيما أنّه من صلب مهام العلماء الأمناء، مع استباق حلول فقهية تعمل على تأطير وتأصيل الأحكام في النوازل المطروحة، بالرجوع إلى المقاصد الشرعية والقواعد الفقهية، المهجورة، مثل «ما جرى به العمل»، أو المشهورة مثل: «درء المفاسد مقدم على جلب المصالح»، وباب «سد الذرائع»، وعليه يكون الأخذ بمبدأ حق الكد والسعاية وسيلة شرعية تنصف المرأة وتقدر حقها.

انتهى المؤلف بعد دراسة وتأمل وإمعان نظر إلى اعتبار «الكد والسعاية» اجتهادا فقهيا ينتصر للمرأة، ويمثل قاعدةً تستمد سندها من مصادر التشريع الإسلامي المتفق عليها، وهذه المصادر يعضد بعضها بعضا، وتخضع للقواعد الضابطة، والاجتهادات المعتبرة، وتطبيقٍ حدث فى قضاء ثاني الخلفاء الراشدين، عمر بن الخطاب -رضي الله عنه وأرضاه- وعليه، يكون الاعتراف بحق الكد والسعاية وتضمينه في التشريعات والقوانين المنظمة للأسرة أمرا مهما موافقا للشرع.

بقي القول إنّ الأزهر الشريف قال فى مؤتمر التجديد المُنعقد فى يناير 2020م: «يجب تعويض المُشترِك في تنمية الثَّروة العائلية، كالزَّوجة التي تخلِط مالَها بمال الزوج، والأبناء الذين يعملون مع الأب في تجارة ونحوها، فيُؤخَذ من التَّركة قبل قسمتها ما يُعادِل حقَّهم، إن عُلِمَ مقداره، أو يُتَصَالَح عليه بحسب ما يراه أهل الخِبرة والحِكمة إن لم يُعلَم مقداره».

نقلاً عن “الوطن

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط.

زر الذهاب إلى الأعلى