مقالات وآراء

إلى أين تتجه التطورات في الملفات الإقليمية والدولية الساخنة؟

خالد اليماني

لم تخلُ إصدارات بداية العام لوسائل الإعلام الدولية ولا مراكز الدراسات والبحوث من توقعات لما قد يحمله لنا عام 2023، وتفاوتت تلك التوقعات بين المخاطر والفرص، ولم تخلُ من رغبات دفينة في دواخل صانعيها، فكل يتوقع أن يأتي العام الذي دخلناه للتو بخير عميم لبلده ومنطقته. وتبقى التوقعات بعيدة من المصير المحتوم، فالأقدار مقدرة بيد الله، مع إقرارنا بأن القيادات وصناع القرار يمتلكون القدرة لتحديد ما إذا كانت هذه السيناريوهات ستتبلور في هذا العام الذي بدأنا الولوج إليه، أو ربما في الأعوام التي تليه، والكيفية التي ستتفاعل فيها الأحداث.

على أن خبراء الاستشراف السياسي وهم يدرسون النزعات المختلفة يستطيعون وضع خطوط عريضة لتوقعاتهم من منطلق استمرارية الأحداث التي شهدها العالم في العام الماضي والأعوام الماضية. ويرى الخبراء أن الغرض الأساس من استشراف وتقييم المخاطر والفرص العالمية هو في الواقع اكتساب نظرة متعمقة تسهم في معرفة كيفية عكس نتائجها غير المرغوب فيها وتعظيم تلك النتائج المرجوة.

وبعيداً من الاستشراف العلمي التفت العالم باهتمام إلى التوقعات التي أطلقها السيد ديمتري ميدفيديف نائب رئيس مجلس الأمن الروسي مع نهاية العام الماضي حول انهيار الاتحاد الأوروبي ونهاية عصر اليورو وتشكل الرايخ الرابع والتهامه لبولندا ودول البلطيق وتشيكيا وسلوفاكيا وما يليه من حرب بين الرايخ وفرنسا وتفكك المملكة المتحدة وأميركا التي توقع لها أن تدخل في حرب أهلية تستقل خلالها ولايتي كاليفورنيا وتكساس، فيما سيفوز إيلون ماسك برئاسة أميركا في ظل الحرب الأهلية، وستتحول أميركا إلى بلد منبوذ بعد أن تهجرها أسواق الأسهم والنشاط المالي إلى قارة آسيا.
وتوقعات ميدفيديف في الواقع هي انعكاس لحال الغضب الروسي من أوروبا وأميركا، الداعمتين الرئيستين لأوكرانيا، وهي أضغاث أحلام أقرب إلى التمنيات، أكثر منها توقعات استشرافية تقوم على أساس علمي.

تنذر توقعات مراكز الاستشراف الغربية في قراءتها للعقد المقبل بتصدع قادم لروسيا، ومباشرة الصين لعملياتها العسكرية ضد تايوان، وزيادة انتشار الدول الحاصلة على الأسلحة النووية، في ضوء تزايد الصراعات الدولية. وعلى رغم توقعاتها باستمرار تفوق القوة العسكرية الأميركية فإنها لا ترجح أن تكون القوة المهيمنة على الساحة الدولية نظراً إلى بروز أقطاب إقليمية متعددة. وتعتقد مراكز الاستشراف أن الجهود المبذولة لتفكيك تشابك الاقتصادين الأميركي والصيني، أو ما يمكن تسميته “الطلاق”، سيتم ولكن بطريقة هادئة وعلى مراحل.

وترى القراءات الاستشرافية أن النظم الديمقراطية ستشهد تقلصاً ملحوظاً حيال النظم الاستبدادية، فيما ستثبت الأيام أهمية تطوير آليات عمل حلف شمال الأطلسي، فيما سيتحقق العالم من عدم جدوى الأمم المتحدة ومجلس الأمن من دون إجراء إصلاحات عميقة تجعل المنظمة الدولية ذات نفع للدول الأعضاء، وتوسيع الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن بما يعكس تمثيلاً جغرافياً عالمياً أكثر عدلاً.

الشرق الأوسط في 2023

ستستمر الضربات الموجعة التي أحدثها الغزو الروسي لأوكرانيا وهزاته الارتدادية المرعبة على الاقتصاد العالمي وعلى الدول العربية على وجه التحديد، وبخاصة الآثار التضخمية وارتفاع الأسعار وغلاء المعيشة وتهاوي أسعار العملات المحلية أمام الدولار الأميركي. ويتوقع المراقبون أن تشهد الدول في منطقة الشرق الأوسط مزيداً من حال عدم الاستقرار السياسي والاقتصادي والاضطرابات الاجتماعية، ويستثنى منها دول الخليج النفطية.

وفيما تمكن العراق من الخروج من عنق زجاجة التشكيل الحكومي خلال العام الماضي بعد عام مؤلم، إلا أن التوقعات ترجح استمراره في السقوط في مسلسل الأزمات والآلام بفضل تأثيرات التدخل الإيراني السافر في شؤونه الداخلية، فقد صار العراق مستباحاً لإرهابيي إيران يقتلون أبناءه ويسرقون ثرواته النفطية والمائية، ويستخدمون نظامه البنكي لغسل أموال تجارة المخدرات الإيرانية. أما في لبنان، فما زال اللبنانيون يراوحون في مستنقع الأزمات منذ أعوام، وأسهمت مغادرة الرئيس عون لقصر بعبدا في شلل الحياة السياسية، بعد فشل مجلس النواب المتكرر في إنقاذ البلد من الفراغ الدستوري. ويتوقع المراقبون أن تتواصل المأساة اللبنانية فيما سيبقى البلد رهينة لـ”حزب الله” الإيراني الذي يقود لبنان نحو هاوية سحيقة.

وفي اليمن لم يجلب العام التاسع للحرب أي مؤشرات للخروج من نفق الأزمة المستحكمة، فاليمن هي الدولة العربية الرابعة التي لطالما تفاخرت طهران بالسيطرة عليها عبر عملائها الحوثيين، الذين يواصلون رفضهم كل المقترحات الدولية لتمديد الهدنة والبناء عليها لتعميق محتواها الإنساني والإغاثي، وصولاً إلى مزيد من بناء الثقة بين أطراف الصراع ونهاية العدائيات، والدخول في مفاوضات السلام تحت إشراف الأمم المتحدة.

ولا يتوقع المراقبون حدوث انفراجة في الوضع اليمني خلال العام الحالي، نظراً إلى اعتقاد زائف يهيمن على الحوثيين بأنهم يحققون نصراً حاسماً على خصومهم، وأنهم بصدد تحصيل نتائج ذلك النصر، ولهذا فهم يسعون إلى تكثيف عملياتهم العسكرية في مأرب ومناطق أخرى، بعد أن تمكنوا من وقف الحرب عبر الحدود التي ميزت السنوات الثماني الماضية. وهناك إجماع لدى المراقبين على أن الحوثي لن يحقق أي نصر في مساعيه في العام الحالي، ولا في الأعوام المقبلة، مع التأكيد أن الحرب ستستمر وبأشكال متعددة، وستكوي بنيرانها اليمن واليمنيين وتدفعهم نحو مزيد من التنكيل الذاتي والدمار.

أما في تونس فيتوقع المراقبون استمرار الصراع الخفي بين الرئيس قيس سعيد الذي وعد بالتغيير الشامل وأخفق حتى اللحظة في تقديمه للشعب، وبين الطبقة السياسية التي تمرست في “منظومة الفساد”، وهو مسار تصاعدي زاد من تململ الشعب التونسي ولجوء كثيرين إلى الهرب من “تونس الخضراء”.
وفي السودان غرقت البلاد في مأزق الصراع على السلطة، وهي مرشحة للدخول في مرحلة جديدة مع عدم التوافق على “الاتفاق الإطاري”، فقوى التغيير مرشحة لمزيد من التشظي، والصراع على السلطة مستمر بين المدنيين والعسكريين.

أما إيران، الدولة التي تقف وراء كل شرور عدم الاستقرار الإقليمي، فتواجه اليوم انتفاضة شعبية عارمة لإسقاط الديكتاتورية الدينية. ويتوقع مراقبون مزيداً من الاضطرابات الداخلية، وتفكك النظام في اللحظة التاريخية التي يتم فيها البحث عن خليفة لخامنئي، ما يدخل إيران في أزمات متعددة الأوجه. وسيعمل النظام خلال العام الحالي على تسريع العمل لحصوله على القنبلة النووية، واستمرار خلق مزيد من الاضطرابات الإقليمية عبر تسليح أذرعه الإرهابية في لبنان والعراق واليمن.

وبعد انهيار فرص نجاح الاتفاق النووي، وزيادة توجهات إيران لتطوير شراكتها لدعم الغزو الروسي لأوكرانيا، فالمؤشرات تتجه نحو زيادة التصعيد بين أميركا وحلفائها الأوروبيين ضد ديكتاتورية الملالي، مع ترجيحها لحصول إيران على قنبلة نووية خلال العام الحالي، مما سيدفع نحو سباق للتسلح النووي، وتقف السعودية على رأس الدول القادرة على الحصول على سلاح الردع النووي ضد التوسعية الإيرانية.

نهاية الأحادية القطبية وبروز التعددية القطبية

ويظل الأمل الوحيد في منطقتنا معقوداً على النظرة الاستشرافية التي يتفق عليها مجمل خبراء التوقعات، والمتصلة بنهاية نظام القطبية الأحادية الذي عرفه العالم منذ انهيار الاتحاد السوفياتي، والذي حاولت خلاله أميركا قيادة العالم بشكل منفرد دون مشاركة القوى الدولية الأخرى، مما أغضب شركاءها في حلف شمال الأطلسي الذين لم يكونوا راضين عن استقلال واشنطن بالقرار الدولي. وكان المثال الصارخ في الانسحاب من أفغانستان.
وفي مقابل نهاية القطبية الأحادية، تبرز نظرية التعددية القطبية التي ترجح بروز أقطاب إقليمية أكثر من تلك التي سيطرت على فترة الحرب الباردة بين الاتحاد السوفياتي السابق والولايات المتحدة، وهو ما سيؤشر إلى مزيد من توازن المصالح في العلاقات الدولية وكسر الاحتكار. وفي هذا الاتجاه، يمكن قراءة رؤية السعودية 2030 في بعدها الإقليمي باعتبارها مدماكاً أساسياً لقيام قطب إقليمي مهاب في منطقتنا يجمع دول الخليج العربية ومصر والأردن بقيادة قاطرة التحديث السعودية التي تجر المنطقة إلى آفاق من التوازن في العلاقات الدولية شرقاً وغرباً.

ويترافق هذا التقييم مع التحليل الاستشرافي الذي كتبه السيد وليام ويتشسلر كبير المديرين في مركز رفيق الحريري، وبرامج الشرق الأوسط في المجلس الأطلسي بواشنطن، والمساعد السابق لوزير الدفاع الأميركي للعمليات الخاصة ومكافحة الإرهاب، الذي يرجح أنه آن الأوان لانسحاب الولايات المتحدة من الشرق الأوسط، بعد أن ظلت المصالح الأميركية في المنطقة مستقرة لفترة طويلة، وذلك بفعل تغلب قيادة أميركا وقيادات الشرق الأوسط على التحديات لصالح تأجيل هذا الانسحاب. ويرى الكاتب أن أولئك الذين يدافعون عن فكرة وجود أميركي أقل في الخارج باتوا اليوم يتمتعون بنفوذ متزايد في كلا الحزبين. ويضع الكاتب في نهاية مقاله سؤالاً حول ما إذا كان قادة أميركا والشرق الأوسط سيستمرون خلال العام الحالي في إدراك الحاجة الاستراتيجية لمنع انسحاب الولايات المتحدة من المنطقة؟

وفي تقديري، ستبقى أميركا شريكاً مهماً لدول المنطقة خلال العام المقبل ولأعوام مقبلة كثيرة، ولكنها ستكون شراكة جديدة، فالشراكة الحالية في حاجة إلى إعادة تعريف ماهيتها.

* نقلا عن “اندبندنت” عربية

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط.

زر الذهاب إلى الأعلى