مقالات وآراء

فكرة راديكالية لإنقاذ لبنان

جيمس زغبي

يعد رالف نادر أحد الشخصيات التي مثلت تحولاً في التاريخ الحديث للولايات المتحدة. بفضل جهوده، نقود سيارات أكثر أماناً، ولدينا مياه وهواء أنظف ومنازل وأماكن عمل أكثر سلامة. ولم يكن الأمر سهلاً. فلحشد الحركة من أجل التغيير، جابه الشركات الأميركية الكبرى والبنوك وجماعات الضغط السياسي القوية، وكلها لها مصالح راسخة في الحفاظ على الوضع القائم.

ورالف نادر هو أيضاً أميركي عربي لبناني الأصل معني بشدة بجذوره ومدافع لا يكل عن العدالة للعرب وضد التمييز هنا في الولايات المتحدة. وناقشنا منذ شهور الأزمة المستمرة في لبنان وما يمكن فعله، إن وجد هذا، لإخراج البلد من الهاوية وإنشاء مؤسسات قادرة على الصمود لتقديم الخدمات المطلوبة وكسب ثقة الجمهور. وحتى الآن، تضمنت مقترحات حل الأزمة اللبنانية تقديم توصيات لقادة لبنان لإجراء إصلاحات. والمثير للقلق هو عدم جدوى دعوة نفس القادة الطائفيين الفاسدين الذين دفعوا البلاد إلى الخراب لإصلاح أنفسهم، مع تقديم الولايات المتحدة والهيئات الدولية الأخرى حوافز أو فرض عقوبات لتحفيزهم على تبني هذه الإصلاحات. وبعد التفكير في هذا اللغز، أرسل لي رالف نادر مذكرة يقدم فيها تحليلاً للأزمة اللبنانية واقتراحاً جذرياً لتحقيق تقدم. ويبدأ بملاحظة أن «لبنان دولة فاشلة… فحكومته تثري طغمة من القادة… على حساب الشعب اللبناني… وكثير من أمراض لبنان السياسية يحميها دستوره الذي.. ينص على الانقسامات الطائفية».

ويمضي نادر قائلاً إن هناك طريقاً للتقدم لأن «الدستور اللبناني يقر أيضاً أن الشعب هو مصدر السلطة والسيادة». وهذا دفعه إلى استنتاج أن «الشعب كمجموع يحتفظ بالحق في الاستغناء عن التوزيع (الطائفي) الدستوري الحالي وتقديم بديل أكثر ملاءمة لحرية وسلامة وسعادة الشعب». وبناءً على ذلك، يدعو نادر «ممثلين عن طيف واسع من الرأي العام اللبناني لتقديم التماس لإنشاء سلطة انتقالية تابعة للأمم المتحدة للبنان، يرأسها من ينوب عن الأمين العام ويُعهد إليها بحوكمة قصيرة الأمد لـ«لبنان مع تكليف خبراء غير سياسيين (مستمدين من مجموعة كبيرة من المهنيين السياسيين ورجال الأعمال البارزين في مجتمع المهاجرين اللبنانيين) بتنظيم وإجراء انتخابات جمعية تأسيسية لكتابة دستور جديد مع استفتاء لاحق». ويمكن رصد ملاحظتين على وجه اليقين.

أولاً، سيرفض، بلا شك، مثل هذا الاقتراح الراديكالي زعماء لبنان الطائفيون، وأيضاً «حزب الله»، لأنه يهدد سلطتهم ومصادر ثروتهم. لكن لا جدوى من الاعتماد على هؤلاء القادة وهذه المجموعات لإيجاد طريقة للخروج من الفوضى التي أحدثوها.

ثانياً، استناداً إلى ثلاثة عقود من استطلاعات الرأي في لبنان، نعلم أن الغالبية العظمى من اللبنانيين، على امتداد جميع المناطق والمجموعات الدينية، لديهم ثقة قليلة في الأحزاب والقادة الطائفيين التقليديين، والأهم من ذلك، يريدون إعادة كتابة الدستور لإجراء انتخابات تمثيلية يكون فيها صوت واحد لكل شخص. ورأينا تجسيداً لذلك خلال انتفاضة أكتوبر 2019 حين نزل أكثر من مليون لبناني إلى الشوارع مطالبين بإسقاط نخب الحرس القديم. ومحور اقتراح نادر لإنقاذ لبنان هو تمكين مجموعتين من اللبنانيين أجبروا حتى الآن على الجلوس كمتفرجين لمشاهدة بلد يحبونه يموت ببطء ويستنزف شعبه وثروته وأمله. ويقدم الاقتراح فرصة للمجتمع المدني اللبناني لتقديم التماس إلى الأمم المتحدة، ثم التصويت على استفتاء لكتابة دستور جديد.

ويشرك الاقتراح مجتمع المهاجرين اللبنانيين الناجح بشكل استثنائي من خلال دعوتهم للمساعدة في الإصلاح وإعادة بناء مؤسسات البلاد. وحتى مع هذا الدعم الشعبي الواسع، لن تكون الإطاحة بالمصالح الراسخة سهلاً، لكن كما أظهر نادر في القرن الماضي، فإن محاربة الشركات الأميركية الكبرى والبنوك وجماعات الضغط السياسية لم يكن سهلاً أيضاً. واقتراح نادر هو مسار تنبغي مناقشته بجدية لتحفيز نقاش بعيد المدى حول ما سيتطلبه الأمر لإنقاذ البلاد. وقد يرفض البعض ذلك باعتباره حلاً متطرفاً. لكن لأن لبنان يستحق الإنقاذ، فإن الأفكار الجامحة، مهما بدت بعيدة الاحتمال، تتعين تجربتها، ولو لمجرد أن جميع الخيارات الأخرى قد فشلت.

* نقلا عن “الاتحاد”

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط.

زر الذهاب إلى الأعلى