مقالات وآراء

طبول السلام وحمائم الحرب

رشا العزاوي

سواء كانت تهديدات النظام الإيراني بشن ضربات ضد إسرائيل أو قصف العراق، أو السعودية، صحيحة أم لا، وسواء نفذت طهران تهديدها بنفسها أو بالاستعانة بفصائلها المسلحة، يبدو خامنئي أقرب إلى إعلان حالة حرب من أي وقت مضى.

ولأن المخاطر حقيقية، هل يعي صناع الرأي والمحللون أهمية الاستعداد لهذا الافتراض لتجنب حدوثه؟ فإساءة تقدير نوايا الخصوم وافتراض السلام كواقع مسلم به مع النظام الإيراني هو سير في دروب سلام مؤدية إلى الحرب.

إيران تفهم أن المواجهة بحرب مباشرة كلفتها كبيرة جدا، وأنها خيارها الأخير، لكنها قريبة من اتخاذه.. التوقيت والخطاب يقولان ذلك.

عندما ننسى هذه الحقيقة، أو نتجاهلها، فإننا لا نبالغ في تصفير فرص الحرب المباشرة فحسب، بل نفعل ما هو أسوأ بكثير: إننا نخطئ في تقدير جميع الأسباب المؤدية للحرب المباشرة وتكلفتها والاستعداد لها، ما يقرّب من اندلاعها.

عندما يتعلق الأمر بالحرب، يقع معظمنا ضحية الانحياز لسلام مفترض، وحين نفعل، فإننا نشوه تشخيصنا لحقيقة إن سلوك النظام الإيراني سيقودنا حتما لحرب مباشرة.

لنعود للأحداث المأساوية التي سبقت أي حرب أعلنها زعيم قبل خامنئي، ستتجسد أمامنا قائمة مسببات مألوفة دفعته لذلك: قيادة متعثرة غير خاضعة للمساءلة، تتبنى آيديولوجيا توسعية مبنية على الأحقاد والتعنت، والفقر المدقع والظلم والقمع الذي يعيشه شعبها، مقابل سخائها الهائل على جيوشها الخاصة ومغامراتها العسكرية.

جميع محاولات التغاضي عن نظام وصل إلى هذه النقطة، كانت تاريخيا تقود لإعلانه حربا للأسف.

من الشائع اعتبار تهديدات خامنئي الأخيرة في الثاني من نوفمبر/ تشرين الثاني، بضرورة استعداد بلاده للحرب، وأنها سترد “على مقتل جنرال الحرس الثوري قاسم سليماني في الوقت المناسب” جزء من بروبغندا اعتدناها منه، لكن قبل ذلك، علينا أن نتذكر أنها تأتي بعد سنوات من حروبه غير المباشرة، المخطط لها والممولة جيدا، والتي أرهق فيها المنطقة إلى حد كبير. من إخضاع العراق، إلى الانتشار في سوريا، والهيمنة على لبنان، وفتح جبهة استنزاف في اليمن، وصراع داخلي مرير يعيشه النظام في إيران بعد احتجاجات مستمرة بدأت في سبتمبر/ أيلول.

يجب الانتباه إلى التوقيت، الرجل لم يعد يريد كرهنا بسلام.. إنه يراهن على فرض وصايته على المنطقة استعدادا للاعتراف بهذا الدور في حقبة “ينحسر فيها تأثير الولايات المتحدة عالميا” على حد تعبير خامنئي في كلمة أخرى ألقاها في الرابع من نوفمبر/ تشرين الثاني في الذكرى الأربعين لاحتلال السفارة الأميركية في طهران.

كان تحليق قاذفتين من طراز B-52H، للقيادة المركزية الأميركية، مع 13 من القوات الجوية الشريكة، في 10 نوفمبر/ تشرين الثاني، معلنة القدرة للانتشار السريع للقوة الجوية العالمية جنبا إلى جنب مع كل من قوات التحالف والشركاء الإقليميين، وضمان استمرار السلامة والأمن في المنطقة، طبول سلام تقرع في وجه حمائم الحرب الإيرانية.

رسالة جاءت في وقتها، بأن المنطقة مستعدة للمواجهة المباشرة بهدف الاحتواء، فمقابل كل حرب يدفعنا إليها النظام الإيراني كانت هناك ألف حرب تم تفاديها من قبل قادة المنطقة بمحاولات الاحتواء.. وتبدو رسالة القوة والاستعداد للمواجهة محاولة الاحتواء الأبلغ اليوم.

ليست سياسة جديدة لكنها فعالة، ولأننا لا يمكننا تفكيك دوافع خامنئي لإعلان الحرب، فقد أعلن إصرار نظامه على المضي قدما في سياساته الهدامة، يمكن لخامنئي الانشغال في تقدير مدى قوة خصومه، وتقرير أفعاله بناء على ذلك، هذه هي الطريقة الأساسية لتفادي الحرب، ليس باعتبارها لن تحدث أبدا، بل بافتراض حدوثها في أي لحظة..والتذكير بالأثمان الباهضة لاندلاعها.. فالحرب نادرة لأنها مدمرة.. ولا يجب أن تنسى إيران ذلك.

المصدر: العربية

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط.

زر الذهاب إلى الأعلى