يُعَاتِبُنِي فِي الدَّيْنِ قَوْمِي وَإِنَّمَا دُيُونِيَ فِي أَشْيَاءَ تُكْسِبُهُمْ حَمْدَا
الشاعر المقنع الكندي شاعر أموي ذاع صيته، وعرف بالكرم والسخاء، حتى أنه أنفق كل ما ترك له أبوه من مال، ما تسبب في أن بني عمه، وجدوا فرصتهم في نزع الزعامة منه، ورفضوا خطوبته لأختهم، وعيروه بديونه، فقد كان المقنع كريماً حد السخاء، فلم يرد سائلاً وعرف بكثرة أضيافه.
ومؤخراً ذاع صيته وملأت وسائل التواصل الاجتماعي، سيرته وأشعاره، حتى صار حديث المجتمع الإماراتي والعرب قاطبة، وذلك حينما تمثل صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى للاتحاد حاكم إمارة الشارقة – حفظه الله – بأبيات من قصيدة المقنع الكندي “الدالية” في إحدى لقاءاته المتلفزة، والتي اختتم بها سموه الجزء الثاني من كتابه “حديث الذاكرة” فقد جاء على لسانه:
وَإِنَّ الَّذِي بَيْنِي وَبَيْنَ بَنِي أَبِي وبَيْنَ بَنِي عَمِّي لَمُخْتَلِفٌ جِدَّا
أَرَاهُمْ إِلَى نَصْرِي بِطَاءً وإنْ هُمُ دَعَوْنِي إِلَى نَصْرٍ أَتَيْتُهُمُ شَدَّا
فَإِنْ أَكَلُوا لَحْمِي وَفَرْتُ لُحُومَهُمْ وَإِنْ هَدَمُوا مَجْدِي بَنَيْتُ لَهُمْ مَجْدا
وَإِنْ ضَيَّعُوا غَيْبَي حَفِظْتُ غُيُوبَهُمْ وإنْ هُمْ هَوُوا غَيِّي هَوِيتُ لَهُمْ رَشْدًا
وإنْ زَجَرُوا طَيْرًا بِنَحْسٍ تَمُرُّ بِي زَجَرْتُ لَهُمْ طَيْرًا تمُرُّ بهِمْ سَعْدَا
وَلاَ أَحْمِلُ الْحِقْدَ الْقَدِيمَ عَلَيْهِمُ وَلَيْسَ رَئِيسُ الْقَوْمِ مَنْ يَحْمِلُ الحِقْدَا
والمقنع هو محمد بن ظفر بن عمير بن أبي شمر بن الأسود بن عبد الله الكندي، من قبيلة كندة اليمنية، ومنها الشاعر المعروف، امرؤ القيس، وقد كان جده عمير زعيم كندة، وبعد موته نشأت بين والد المقنع وهو ظفر، وعمه عمرو بن أبي شمر خلافاً على الزعامة، وقد يكون هذا الخلاف سببا في الخلاف بين المقنع الكندي نفسه وأبناء عمه في ما بعد، فالتنافس على الزعامة والرياسة هو الذي كان أجج نار الخلاف والفرقة بينه وأبناء عمومته، وهناك سبب إضافي وهو حينما خطب ابنة عمه، رفض إخوتها تزويجها له، بحجة كثرة ديونه.
ما دعا بالمقنع أن يقول قصيدته ذائعة الصيت:
يُعَاتِبُنِي فِي الدَّيْنِ قَوْمِي وَإِنَّمَا دُيُونِيَ فِي أَشْيَاءَ تُكْسِبُهُمْ حَمْدَا
ويقال أنه لقب بالمقنع لأنه كان يلتف بقناع بسبب جمال وجهه، وكان طويل القامة، وذكر أنه كان لا ينزع رداءه عن وجهه، و قال عنه الأصفهاني في أغانيه: إنه كان أجمل الناس وجها، وكان إذا سفر اللثام عن وجهه أصابته العين، فيمرض ويجلس طريح الفراش لا يغادره مدة من الزمن، ولهذا كان يغطي وجهه دائما بقناع خوفا وحيطة.
في حين يرى كثيرون أنه يتقنع لأن القناع دليل الرياسة والزعامة، وهذا يؤشر إلى أن التنافس بين المقنع و أبناء عمه على زعامة القبيلة، فهو لا يترك فرصة الدخول فقط لإثبات أحقيته بالرياسة دونهم.
وعرف المقنع الكندي بكونه مقلاً بشعره، ولكنه يمتاز برصانة الأسلوب وحسن الابتداء والاختتام، ويختار ألفاظه بدقة وعناية، وهذا دليل على ملكته الشعرية وقوة صناعته، وقد طغى على شعره الفخر والاعتزاز بالنفس.
وقد ورد ذكره في أغلب كتب الأدب والبلاغة، وقد قال محمد بن يحيى الصولي: حدثني محمد بن زكريا الغلابي، عن العتبي قال: حدثني أبو خالد من ولد أمية بن خلف قال: قال عبد الملك بن مروان – وكان أول خليفة ظهر منه بخل – : أي الشعراء أفضل؟ فقال له: كثير بن هراسة، يعرض ببخل عبد الملك: أفضلهم المقنع الكندي حيث يقول:
إني أحرض أهل البخل كلـهـم
لو كان ينفع أهل البخل تحريضي
ما قل مالي إلا زادنـي كـرمـاً
حتى يكون برزق الله تعويضـي
والمال يرفع من لولا دراهـمـه
أمسى يقلب فينا طرف مخفوض
لن تخرج البيض عفواً من أكفهم
إلا على وجع منهم وتـمـريض
كأنها من جلود الباخـلـين بـهـا
عند النوائب تحذى بالمقـاريض
فقال عبد الملك – وعرف ما أراد – : الله أصدق من المقنع حيث يقول: “والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا”
لم تذكر المصادر عام مولده بالضبط، وحتى وفاته فقد قيل إنه توفي قرابة عام 70 من الهجرة.
.