مقالات وآراء

القوة الناعمة” جاذبية المصطلح وغموض المفهوم”

 


أيمن الحماد


الاستهلاك الحاصل لمصطلح القوة الناعمة في الجو العام على منصات التواصل الاجتماعي أو الاحاديث اليومية يوحي إما بفهم واضح له أو عكس ذلك، إذ أن المصطلح يخلق حالة من التوهم لدى مستخدمه، فيبدأ بتشخيص حدث على اعتبار أنه زيادة أو نقص في القوة الناعمة لتلك الدولة. ولو وجهت السؤال لمستخدم هذا المصطلح ماهي الاعتبارات التي دفعتك لهذا الاستنتاج، لما استطاع اعطاء اجابة مدعومة بدليل.
فالقوة الناعمة مصطلح غامض غير واضح ولا يرقى ليصبح مفهوماً، إذ لا يمكن قياسه. بمعنى لايوجد معيار علمي أو متغيرات يمكن تطبيقها من أجل الخروج بنتيجة نقول بعدها أن لدى تلك الدولة قوة ناعمة أو ليس لديها أو انها تزيد وتنقص تبعاً لمتغيرات محددة، حتى إن البعض يستدل بالمؤشرات التي تصدر من مراكز مختلفة أو مجلات أو صحف تصنف فيها الدول حسب “قوتها الناعمة”، هذه المقاييس يُستأنس بها ولكنها تفتقر للمنهجية العلمية، فالمقاييس تحتاج لإجراءات معينة من أجل التأكد أنها تقيس فعلاً ما صممت لأجله وأن تعطي نفس النتيجة في حال تم تكرار الاختبار لأكثر من مرة في فترات متغيرة.
وهناك من سيجادل في حقيقة أن مؤلفات كتبت حول هذا المصطلح وهذا أمر صحي، إذ أنه يسهم في التراكم المعرفي والعلمي حول هذا المصطلح، حتى إن المقالات البحثية، وعندما يصل الأمر لدراسة “القوة الناعمة” يتم تبني نظريات العلاقات العامة أو تناوله من زاوية العلاقات الدولية او الدراسات الاعلامية، وذلك لأن المصطلح لايزال لم يصل لمرحلة المفهوم التي تجعل من الممكن قياسه. حتى أن جوزيف ناي وهو أول من صاغ هذا المصطلح “القوة الناعمة” كتب ورقة بحثية في هذا المجال يتحدث عن عدة مواضيع من ضمنها قياس القوة الناعمة من خلال مصادر ها كونها المسؤولة عن هذه القوة. والتحقق من أحد مصادر القوة الناعمة، ولنقل على سبيل المثال قياس تأثير بث “قناة تلفزيونية” معينة في مكان ما قد يكون أمراً ممكناً رغم أن التحقق من التأثير صعب منهجياً، لكن هذا القياس لن يخبرك بأن قوتك الناعمة زادت او انخفضت، وقد يجادل أحدهم ويقول أن “القوة الناعمة” تنخفض وترتفع تبعاً للمصادر ، لكن ماذا لو ارتفعت بعض المصادر وانخفضت بعضها ، فما النتيجة؟ لا أتوقع وجود إجابة، لأن المصطلح غير واضح في الأساس.
وقد يُشكل على البعض فيخلط بين مصطلحي القوة الناعمة والدبلوماسية العامة، والأخيرة أقدم من حيث النشأة إذ خرجت إلى العلن في ستينات القرن الماضي وكان الهدف منه النأي بالجهود الحكومية في مجال الاتصال عن مصطلح أعرق وهو “البروباغندا أو الدعاية”. وهدف الدبلوماسية العامة هو الوصول إلى “القوة الناعمة” أو التأثير / الجاذبية وهو ما لا يمكن التحقق منه. وفي الاساس فإن لكلا المصطلحين أبعاد ايديولوجية، فالقيام بأنشطة معينة سعياً للحصول على اعتراف جهة ما بإمتلاكك قوة ناعمة لن يتحقق في المؤشرات سالفة الذكر. لذ يجب أن لا نقع في فخ هذا المصطلح الذي يخلق حالة من التوهم بأن عليك العمل بطريقة معينة للحصول على “القوة”، بل إن الأولى العمل لتحقيق أهداف واضحة قابلة لقياس والتحليل والتقييم سواء في مجال الاعلام أو الاقتصاد أو الرياضة أو التعليم أو غيرها من المجالات التي تساهم في تحقيق الهدف الاستراتيجي. إن نقد مصطلح “القوة الناعمة ” لا يعني أبداً التقليل مما يكتب عنه أو يؤلف حوله، ولكن السعي خلف تحقيقه أشبه بسرابٍ يحسبه الضمأن ماءاً.

** كاتب وأكاديمي في مجال الإعلام والاتصال

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط.
زر الذهاب إلى الأعلى