هنالك أبيات شعرية تلهج بها ألسنتا في مواقف كثيرة من حياتنا على سبيل المثال:
لقد أسمعت لو ناديت حيًّا ولكن لا حياة لمن تنادي
نردده كثيرا وتطرب الأذن لسماعه، ويضرب في كل أمر لا يرجى النفع من وراءه، أو من لا يستجيب للنصح، ولكن لو أردت أنت تقف على قائله ترى نفسك أمام دوحة من الشعر فكل الأسماء التي نسب له هذا البيت هو موسوعة شعرية مشت على الأرض فقد نسب إلى : عمرو بن معد يكرب وبشار بن برد وعبد الرحمن بن الحكم بن العاص وكثير عزّة ودريد بن الصمة ومهيار الديلمي ورفاعة رافع الطهطاوي وغيرهم الكثير . وذلك نظرا لوجوده في أشعاره ولكن الرواية الأصح هو لعمرو بن معدي يكرب الزبيدي ولكن وروده في كثير من الأشعار فهو من باب التضمين وحري بنا أن نعرج صوب عمرو بن معد يكرب الزبيدي.
– وهو فارس اليمن وخطيب العرب وبطل القادسية ، لقى النبي صلى الله عليه وسلم لدى منصرفه من تبوك فأسلم هو وقومه وارتد عن الإسلام ، ثم رجع إلى الحق وجاهد في الله حق جهاده.
وشارك في أكبر معارك جيوش الفتوح الإسلامية، رغم أنه قد جاوز المائة سنة من عمره. وقد أبلى بلاء حسنا في معركة القادسية . وافتخر في شعره أنه هو الذي قتل قائد الفرس في تلك المعركة “رستم”.
– كان بلا جدال من أشجع الفرسان العرب، وأمضاهم سيفا، وكان سيفه الصمصامة من أشهر سيوف العرب قاطبة. وكان كبير الجسم، حتى أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان إذا رآه قال: الحمد لله الذي خلقنا وخلق عمرا.
كان قوياً بديناً ، وكان سيداً مطاعاً وبطلاً شجاعاً وخطيباً شاعر
أرسله النعمان بن المنذر فيمن أرسل من سراة العرب إلى أنوشروان بالمدائن ليكون كلامهم بين يديه مصداقاً لدعواه في العرب وافتخاره بهم وتفضيله إياهم فألقى حينها خطبة.
وكان أكولا حتى عد من مشاهير العرب في الزرد. وهناك حكايات كثيرة عن حبه للأكل، منها أنه طلب من أخته يوما أن تشبعه استعداد لغزوة، ولما سألته عما يشبعه قال: فرق من ذرة وعنز رباعية.
ما قاله النقاد: يقول عنه ( أحمد حسن الزيات ) : يعد في الطبقة الأولى من الخطباء ، والطبقة الثانية من الشعراء، ويغلب في شعره التحدث عن نفسه في الشجاعة.
وقد كانت وفاته مجاهدا على أثر إصابته بجراح في معركة نهاوند عام 21هـ =643م على أرجح الأقوال.
فمن ذا عاذري من ذي سفاهٍ
يرودُ بنفسه شـر المـرادِ
لقد أسمعت لو ناديت حيـا
ولكن لا حياة لمـن تنـادي
ولو نارٌ نفخت بها أضاءت
ولكن أنت تنفخ في الرمـادِ
أريد حياته ويريـد قتلـي
عذيرك من خليلك من مُراد
أما عبد الرحمن بن الحكم بن أبي العاص الأموي وهو أخو مروان بن الحكم بن أبي العاص، عاش إلى وقعة مرج راهط التي كانت سنة 65 هـ، وقد نسب البيت له
أبو الفرج الأصفهاني في ” الأغاني ” قال ابن الحكم
لقد أبقَى بنو مروانَ حُزْناً مُبِيناً عارُه لبني سَوادِ
أطاف به صَبيحٌ في مشِيدٍ ونادى دَعوة يابْنَيْ سُعادِ
لقد أسمعْتَ لو ناديْتَ حيّاً ولكن لا حياة لمن تنادِي
أما كثير عزة فهو: كثير بن عبد الرحمن بن الأسود الخزاعي، أبو صخر المدني، توفي 105 هـ، وقيل 107 قال كثير يرثي صديقه خندقاً الأسدي
عداني أن أزورك غير بغض
مقامك بين مصفحة شدادِ
وإني قائلٌ إن لم أزُرْهم
وكل ذخيرة لا بد يوماً
وإن بقيت تصير إلى نفاد
فلو فوديت من حدث المنايا
وقيتُك بالطريف وبالتلاد
يعز علي أن نغدو جميعاً
وتصبح بعدنا رهناً بوادي
لقد أسمعت لو ناديت حيًّا
ولكن لا حياة لمن تنادي
أيضا لم يقف هذا البيت عند الشعر، بل رويت عدة قصص في التراث العربي حول سبب قوله لعل من أشهرها، أن أحد التجار الكبار كان له ولد لا يعبأ بالحياة ومنصرف إلى اللهو واللعب والمجون مع أصدقاء السوء فأراد أبوه أن يثنيه عن ذلك واحضر له المعلمين والمؤدبين دون جدوى فقال لقد أسمعت لو ناديت حيا ولكن لا حياة لمن تنادي
نظرا لأن ابنه لم يستوعب الدرس بعد، وكان ممن يحسن الرجل إليهم رجل مسكين يأتي على باب قصره فيقدم له الطعام ويأخذ حسنته وينصرف، وقد اعتاد على ذلك. ولما أحس التاجر بدنو أجله أمر خدمه أن يقيموا سقفا ثانيا تحت السقف الأصلي للقصر ويجعلوا فيه الذهب ويصنعون بابا لها يفتح لأسفل ويعلقون فيه سلسلة كبيرة، بحيث إذا شدت السلسلة لأسفل ينفتح الباب.
وعمد إلى ابنه بنصيحة قال له يا بني إذا ضاقت بك الأمور وبعت كل شيء وقفلت جميع الأبواب في وجهك فعدني أن لا تبيع هذا القصر. فقط تعال وعلق نفسك في هذه السلسلة وأنهي حياتك في ستر، بعيدا عن أعين الناس.
ومات الرجل واستمر الابن في مجونه وكلما ضاقت به الحال باع شيئا، فلم يبق له غير القصر. وانصرف عنه الأصحاب والسمار؛ لعدم وجود مال لديه لينفقه عليهم، فكان يأتي له الرجل المسكين الذي كان يأتي من قبل لأبيه بغية الأكل واخذ حسنة تعينه على الحياة. ظل هذا الرجل يأتي للابن بالطعام والشراب وفاء لوالده.
وذات يوم وجد الابن نفسه بلغ حد المنتهى من الحياة لذا توجه إلى السلسلة المعلقة في القصر ليشنق نفسه بها وينهي حياته.
ولكن السلسلة لم تعلقه كما توهم؛ بل سطقت به لأسفل وانفتح الباب ونزل الذهب، هنا تنبه لمقولة والده وعين الرجل المسكين معه في تجارته التي اتسعت كثيرا عن تجارة والده. ولما علم أصدقاء السوء بتحسن حاله دعوة للعشاء، ولبى الابن ولكنه لم يأكل بل أخذ بطرف ثوبه وغمسه في الأكل. فقالوا له لماذا تفعل ذلك..؟ قال لهم: أنتم دعوتم ثيابي الفاخرة، ولم تدعونني لشخصي وانصرف عنهم إلى الأبد.