الصين والشرق الأوسط: شريك صاعد في صناعة السلام والاستقرار

تشهد العلاقات بين الصين ومنطقة الشرق الأوسط تطوراً ملحوظاً يعكس تحولاً في التوازنات الدولية.
فالصين، التي عُرفت سابقاً بقوتها الاقتصادية، باتت تُوسع حضورها في قضايا الأمن الإقليمي، من خلال سياسات متدرجة تسعى إلى بناء شراكات طويلة الأجل، وتعزيز الاستقرار عبر أدوات دبلوماسية واقتصادية.
من الشريك الاقتصادي إلى الوسيط الدبلوماسي
تتبنى الصين دبلوماسية الترابط والتنمية نهجاً قائماً على تعزيز الترابط من خلال مشروعات البنية التحتية والنقل والطاقة وهي تسعى لتقديم نفسها كقوة تنموية تساهم في بناء اقتصادات مستقرة، وهو ما يُعتبر في نظرها أساساً للسلام، تعتقد الصين أن النمو الاقتصادي والاندماج الإقليمي يخففان من حدة التوترات، وأن التنمية المستدامة قادرة على التمهيد لحلول سلمية طويلة الأمد فقد بدأت الصين تلعب أدواراً دبلوماسية متوازنة بين الأطراف الإقليمية المتخاصمة، من خلال استضافة محادثات وتقريب وجهات النظر دون تبني مواقف متحيزة، مما يعزز من صورتها كوسيط محتمل في النزاعات المعقدة.
مقاربة مختلفة عن القوى التقليدية
تفضل الصين عدم التدخل السياسي وتجنب الانخراط المباشر في النزاعات السياسية أو فرض نماذج حوكمة معينة وتعتمد بدلاً من ذلك على مبادئ احترام السيادة الوطنية وعدم التدخل وهي عناصر تلقى قبولاً لدى العديد من حكومات المنطقة أضف إلى ذلك تحرص الصين على التزام الحياد والخطاب المتوازن في القضايا الشائكة مثل النزاع الفلسطيني–الإسرائيلي، وتدعو إلى حل سلمي يستند إلى القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة، دون التورط في تحالفات منحازة.
أما تنويع الشراكات الإقليمية فإن الصين تحافظ على علاقات إستراتيجية مع جميع القوى الفاعلة في المنطقة سواء في الخليج، أو في شرق المتوسط، أو في شمال أفريقيا، مما يمنحها قدرة على المناورة الدبلوماسية دون التصادم مع طرف على حساب آخر.
فرص وتحديات أمام الدور الصيني كقوة قوة اقتصادية تبحث عن نفوذ سياسي فرغم التوسع الاقتصادي لاتزال الصين في طور اختبار نفوذها السياسي في الشرق الأوسط ويُتوقع أن تواجه تحديات تتعلق بفهم السياقات الثقافية والدينية والاجتماعية المعقدة في المنطقة ومن ناحية التوازن الحساس في بيئة مضطربة يعتمد نجاح الدور الصيني إلى حد كبير على استقرار الأوضاع الإقليمية إذ إن بيئة النزاعات المستمرة قد تعرقل تنفيذ المشروعات المشتركة وتحد من فاعلية الدبلوماسية الاقتصادية ومن ناحية المراقبة الدولية لدورها المتصاعد فتصاعد الحضور الصيني في المنطقة قد لا يكون محل ترحيب دائم خصوصاً من بعض القوى التقليدية ذات النفوذ العميق، ما يفرض على بكين إدارة علاقاتها الخارجية بحذر لتجنب صراعات غير مباشرة.
ختاماً… الصين بين الدبلوماسية والمصالح
الصين تقدم نموذجاً جديداً للعلاقات الدولية في الشرق الأوسط قائماً على الاحترام المتبادل والتنمية المشتركة والابتعاد عن السياسات التصادمية ويبدو أنها تراهن على أن السلام المستدام يمكن تحقيقه من خلال المصالح الاقتصادية المتبادلة، لا عبر الضغط أو التدخل.
ورغم ما تحققه من نجاحات نسبية، فإن مستقبل دورها في المنطقة سيعتمد على قدرتها على الحفاظ على التوازن، وتقديم نتائج ملموسة على أرض الواقع، فالصين لا تسعى لتكون بديلاً عن قوى أخرى، بقدر ما تطمح إلى أن تكون فاعلاً فريداً في بيئة دولية متعددة الأقطاب، تشكّل فيها التنمية والسلام وجهين لعملة واحدة.
نقلا عن الراي