مقالات وآراء

أى استراتيجية للتعامل مع ترامب

السفير محمد بدر الدين زايد

من الواضح أن عددًا كبيرًا من دول العالم تشعر بالقلق بشأن كيفية التعامل مع ترامب وخططه المعلنة، والقلق لا يشمل منافسين كالصين وإيران وكوريا الشمالية وروسيا فحسب، بل أيضا حلفاء وجيران كالاتحاد الأوروبى وكندا والمكسيك ودول ستشعر بقلق مضاعف كبنما وقناتها والدنمارك وجزيرتها جرينلاند، كما أن قائمة عدم التأكد تشمل حتى إسرائيل والدول العربية التى قد يظن بعضها أنها فى مأمن من القلق، ولكن فى الحقيقة أن هذا ليس صحيحًا. فى خلفية المشهد اعتبارات كثيرة معقدة يفترض أن يضعها الجميع فى تقديراته للموقف ولتحديد كيفية التحرك والاستجابة لسياسات ترامب المربكة والمحيرة وخطط ترامب ذاتها ستضيف الكثير من التعقيدات لهذه الخلفية.

أول هذه الاعتبارات أن العالم قد وصل بالفعل لأكثر مراحل الفوضى والتشوه للنظام الدولى الذى تأسس بعد الحرب العالمية الثانية وفى القلب منه الأمم المتحدة، والعنوانان المترابطان بقوة هما تعدد ساحات الصراع وعودة ظاهرة التوسع والفكر الإمبراطورى، والصراعات لا تقتصر على تلك المعروفة فى أوكرانيا والمنطقة العربية، بل أيضا فى بعض مناطق إفريقيا، وفى هذه الساحات اللاعبون معروفون وعلى رأسهم الولايات المتحدة وروسيا ومحاولات صينية خجولة فى إفريقيا بشكل خاص، ولاعبون إقليميون أبرزهم تركيا الصاعدة وإسرائيل، بينما تبدو إيران متراجعة ولكنها تظل لاعبا لديه بعض الأدوات.

وفى ظل هذه الخلفية يأتى ترامب بلغة هى الأعلى فى منطق التوسع الإمبراطورى الأمريكى، فهو يتحدث عن بنما وجرينلاند وإعادة تسمية خليج المكسيك، صحيح أن كل هذه الملفات لها جذورها فى الثقافة الأمريكية وناقشناها هنا فى هذه الصفحة، ولكن ما هو جديد هو جمع كل هذه الملفات معا وبلغة قوية من رئيس أمريكى وليس من مستويات أقل.

من ناحية أخرى فإن تخبط المنظومة الأممية سابق ومستمر منذ بدايتها ولكنه وصل إلى مراحل متقدمة مع بدايات العقد التالى لهذا القرن، ثم توالى السقوط فى السنوات الأخيرة، وفى حربى أوكرانيا وغزة بشكل خاص، بحيث لم تعد تستره حتى ورقة التوت، وخاصة مع توالى قرارات الأمم المتحدة ومحكمة العدل الدولية دون استجابة إسرائيلية.

تفاقم كل هذا بسقوط المحكمة الجنائية الدولية التى قضت عليها منذ البداية المعايير المزدوجة الغربية وأفرغتها حرب الإبادة الإسرائيلية من أى مضمون مؤخرا، وكان من مظاهر الإفلاس الغربى مؤخرًا إفراج فرنسا عن أحد الضباط الإسرائيليين بعد قيامها بالقبض عليه تنفيذًا لأوامر المحكمة.

واستكمالًا لمشهد الفوضى يأتى فشل البشرية فى قضية مكافحة التغير المناخى وما يمكن أن يؤدى إليه هذا فى الأجل الطويل، واستكمالًا لمسيرة التردى فى هذا الملف يأتى الانسحاب الأمريكى الثانى من اتفاقية باريس للمناخ ليضيف المزيد من التدهور لمسيرة الجهود الدولية بهذا الصدد ومن الدولة الكبرى الملوثة للمناخ فى العالم.

السؤال بالتالى هو هل تملك واشنطن القدرة الكافية على فرض إرادتها فى هذا العالم- الذى يتسم بالفوضى الشديدة- وتحقق التوسع والسيطرة التى تريدها باستخدام الأدوات التى يريد ترامب توظيفها، وهى الأداة الاقتصادية ومعها أيضا السيطرة الأمريكية على وسائل التواصل الاجتماعى دون استخدام القوة العسكرية التى لم يتوقف عن انتقادها لا فى مرحلة حكمه الأولى أو اليوم.

وهل ستخضع كل الأطراف التى يستهدفها ترامب، وتقبل بأن يتعامل معها بشكل منفرد ينتهى من جبهة وينتقل للأخرى، ويفرض سيطرته على العالم كما يكرر فى شعاراته بشكل غير مسبوق.

ما هو واضح حتى الآن أن ردود الفعل على خطط ترامب المعلنة تسير بشكل فردى ولا يتحدث أحد عن تنسيق لمواجهتها، وخاصة أن الأمور مازالت فى بداياتها، فضلا عن أن جانبا مهما من الخطط يتعلق بدول حليفة.

والسؤال التالى هو التفكير فى تحديد التداعيات بالنسبة لمصر، ويمكن تصنيفها فى مجموعتين الأولى مباشرة وتتعلق بخطط وتصريحات ترامب بشأن تصفية القضية الفلسطينية وهذا تهديد مباشر للأمن القومى المصرى، والثانى حالة الفوضى الدولية والإقليمية بما قد تكون له من تداعيات على كثير من ملفات الصراع الإقليمية بشكل غير موات لمصر.

ومن الخطأ تصور أنه ثمة استراتيجية سهلة أو مضمونة لمواجهة هذه التحديات الصعبة والدقيقة، كما أنه لابد من البدء بالأخذ فى الاعتبار أن جانبا كبيرا من المخاوف من ترامب مسألة إدراكية وأن كثيرا من الأطراف الدولية فى المرحلة الأولى لم تعر واشنطن الكثير من الانتباه وعلى رأسها الصين وكوريا الشمالية، وحتى إيران التى تضررت جدا من عقوباتها، لم تتجاوب معها بالقدر الذى راهنت عليه واشنطن، ولو أضفنا إلى هؤلاء إثيوبيا التى لم يتمكن من إقناعها بتسوية كانت قد قبلتها فى البداية.

وفى الحقيقة أنه بعد الانطلاق من أن رغبات ترامب ليست أوامر إذا مست الأمن القومى للبلاد المختلفة، يظل أى تصور للحركة يعتمد على ركيزتين، الأولى مواصلة خطوات جادة وتصاعدية لبناء الداخل ورفع مناعة الوطن، والركيزة الثانية تعميق التحالفات والعلاقات الخارجية مع أكبر عدد ممكن من الأطراف الدولية. وفى نفس الوقت البناء على التفاهمات بين القيادة السياسية وترامب لبدء حوار معمق يشرح وجهات نظر مصر وما هو خط أحمر بالنسبة لها والمراهنة كذلك على طموحات ترامب لعمل اختراق دولى، ولكن بتصويب توجهاته بما يسمح بتحقيق سلام عادل وحقيقى فى المنطقة أو الاكتفاء بإفشال خططه.

* نقلا عن “المصري اليوم”

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى