مقالات وآراء

الجنسية الكويتية.. متاعب المغامرات وأنغام المكافآت

عبدالله بشارة

مع النشاط غير المعتاد، الذي أبرزه النائب الأول لرئيس الوزراء الشيخ فهد اليوسف، وزير الدفاع والداخلية، تكاثفت الجهود لكشف المستور في ملفات التجنيس، وخرجت التفاصيل في الغش والخداع، تحمل البلاغة في فنون التلاعب، وفوق ذلك، الابتكار في توليد ملفات تحمل أسماء يؤكدون حقهم كمواطنين في التمتع بالجنسية الكويتية، وكنت أحد الذين تابعوا الشريط عن ملف الجنسية، الذي قدّمه السيد مرزوق علي الغانم، رئيس مجلس الأمة الأسبق، يكشف عن اسم واحدة نالت حقوقها كاملة كمواطنة، تحمل اسماً غير معروف في قاموس الأسماء الكويتية، لم تترك ممراً يوفر لها المكاسب إلا وخطت فيه، ثم يفاجئنا رئيس المجلس بأن الملف كله من صنع الخيال الطامع بالامتيازات، فلا وجود لهذه الهوية، التي تمتعت بخير الكويت، وانتشى مؤلف القصة بالنعم المادية التي تخصصها الدولة للمواطن.

لم أصدق حجم الشر، الذي يختزنه الانسان الركيك الضمير، والذي رسم آليات ارتباطه بالوطن بحجم ما يأخذه من مزايا، متحملاً مخاطر الانكشاف، مستسلماً لأنغام الامتيازات.

ومن تلك الحالة، التي عرضها رئيس المجلس للرأي العام الكويتي، آمناً بأن الافتتان بالمال والاستهزاء بقوانين الدولة والاستخفاف في انضباطها مع ثقتها بنظافة النوايا، وفوق ذلك، الاسترخاء في التدقيق وفي المتابعة وانعدام التحري المنضبط، أدت جميعها إلى الواقع الذي نتابعه الآن، بتغلغل أسماء لا علاقة لها بالكويت، استذوقت مذاق خيرات الكويت من دون حق وبكل جرأة، دبرتها عقول أعماها المال، فتحركت وفق سيناريو ينبعث من منابع الشر، التي يحملها هؤلاء المزورون.

وإذا كان حظ الكويتيين الطيب تحقق في تولي النائب الأول هذه المسؤولية، فإن الأمل الذي يراود أبناء الكويت أن يفتح الشيخ فهد اليوسف ملفات التجنيس جميعها منذ البداية، من أجل الوقوف على المدى الذي سارت فيه تعرجات التزوير، وحجم حصادها، والوقوف على من سهّل إجراءات التجنيس، وهويته، ودور من تعاون معه، من دون تردد، فالواضح أن الإهمال المتحصن لعب دوراً في تشجيع المزورين، الذين ظنوا دوام السلامة وبكل اطمئنان.

فالمحاسبة تتولد من الانكشاف، الذي يتحقق من قرار يتحدث بكل عزيمة لحماية أخطر الملفات في أمن الكويت.

هناك شعور جامع بأن أخطر ممرات هدم الدولة الكويتية توافُر القدرة على تلويث التركيبة السكانية، ونكرر أن أهم الملامح في لوحة الأمن الكويتي هو الوحدة الوطنية الجامعة المعبرة عن صلابة شعبية، حفاظاً على ما تتميز به الكويت في محتوى ماضيهاً، وفي طموحاتها المستقبلية، وهذه حقيقة يعرفها الطامعون، الذين يسعون إلى تطويع المغامرين نحو التسلل للادعاء بحق الجنسية الكويتية.

فالخبرة الكويتية في معرفة فنون التآمرات الحزبية الطامعة محدودة، لأن جذور النوايا الكويتية الطيبة متعمقة، وتجاربها في الصراع مع مغامرات المتآمرين محدودة، ونعترف بأن الغزو اللئيم غرس فينا الشك، وجعل الحذر رفيقنا، فمن عضته الحية يخاف من الحبل، هكذا كان حذر أهل البحر في علاقتهم مع أهوال المحيط.

ولا شك بأن التحقيق عبر فتح الملفات سيوضح الكثير من جوانب الغموض، لاسيما إذا أبحر التحقيق في مساره إلى معظم الملفات، فمن المؤكد سنقف على الشيء الكثير والعجيب في مقدرة الإنسان على ترويض الشر، لينال ما لم يقدر عليه بالحق والأصول، ولنا ثقة بأن المسار الحالي في فضح المستور في الجنسية سيتواصل.

أتذكر صيحة النائب بدر الملا في البرلمان، بطرحه ملف عن وجود أكثر من ستة آلاف جنسية، أُعطيت لزوجات كويتيين لا تنطبق عليهن الضوابط التي تلتزم بها الكويت، وما زال هذا الملف مغلقاً رغم المؤشرات التي ذكرها النائب السابق عن هوية من احتضنها.

الكويت دولة طبيعتها ومسارها وتراثها وواقعها لن تؤهلها لاستذواق مناكفات الإقليم، فكل أحلامها استمرار الحياة من دون مناوشات مع إقليم الجوار، ورغم ذلك، لم تسلم من الأذى، بعضها مكشوف، والبعض الآخر ناعم، ومن آليات النعومة التي تضاعف أعداد المدعين بالانتساب من المجندين من مخابرات طامعة، فمن يعرف صخورية الوحدة الوطنية الكويتية وصعوبة اختراقها، يذهب إلى أبعد مدى في آفاق الخيال والإبداع.

والواضح أيضاً أن حملة النائب الأول الأمنية تمس ما يطلق عليهم المزدوجين الكويتيين، الذين يحملون جنسية وطن آخر، وبما يتعارض مع قانون الكويت للتجنيس، فلاحظنا أن قرار الإلغاء يشير إلى مسببات التزوير أو لتبعية لجنسية أخرى، لكن الأعداد من المزدوجين ليست محدودة، وإنما تشغل نسبة عالية، لا مفر من التواصل لعلاجها وفق القواعد التي تحددها الجنسية الكويتية، ومن هذا الواقع لابد من الاستمرار في فحص ملف الجنسية من دون توقف، اعتماداً على القاعدة الواضحة، التي نرددها، فمن تنطبق عليه الشروط يصبح كويتياً بالحق والقانون، وعلى من لا تنطبق عليه كل الشروط، فلا بد أن يدرك الاستحالة في التجنيس، وعليه البحث عن خيارات أخرى.

ندرك جميعاً حجم مسببات الإقبال على الجنسية الكويتية، فالامتيازات واسعة، والضمانات فاعلة، والتأمينات آمنة، وفوق ذلك، بلا ضرائب، والتموين مضمون السعر، والكهرباء والماء جاريان دون توقف، واستثناءات متواصلة، وبالإضافة إلى هذه اللائحة، فإن الأمن مستتب ليلاً ونهاراً، وعلى أرض الكويت المرأة تسير ليلاً بثقة الاطمئنان، وتتعايش فيها جاليات بأفضل الحالات، ولهذه الجاليات شبكة علاقات تؤمن لها ما تحتاجه، فالتجمعات الخيرية تشحن عطاءها إلى الأماكن المتعثرة من عالم العرب ومن الآخرين.

وتبقى منطقة مجلس التعاون من أفضل مواقع العالم، ليس في استقرارها وهدوئها فحسب، بل وفي مساراتها المستقبلية، وليس ذلك بفضل الثروة النفطية فقط، وإنما بفضل برامج التنمية والتطور التي تتواصل فعاليتها من دون تعثّر سياسي أو مالي أو بسبب مخاطر الإرهاب، وفوق ذلك، يتميز الحكم في دول الخليج بالاتزان سياسياً، وبحكم القانون والتقاليد اجتماعياً، وباحترام المليكة الشخصية التزاماً بحق المواطن بثرواته وأملاكه.

هذه الاستثنائية الخليجية، التي تولدت من حكمة توظيف الثروة، ومن احترام كرامة الإنسان، ومن الوفاء بقواعد القانون، ومن اتزان السلطة السياسي والاجتماعي والاقتصادي، ومن كل هذه الصفات الناعمة، تبرز دول الخليج في الصفوف الأولى للباحثين عن تحسين الحياة، وتأكيد استمرار الاستقرار والعيش بأمن وأمان، ومن هذه الوقائع الجاذبة يتصاعد البحث عن وسائل الانضمام إلى المجتمع الخليجي الواعد، وإن لم يتحقق بالوسائل الشرعية، فلن ينجو الخليج، والكويت بالذات، من البحث عن دروب خطرة وشائكة، تحمل الحالمين بالانضمام إلى المجتمع الخليجي، بأسلوب شرعي، وإذا تعذّر فلا ضرر من السعي في البحث عن ممرات أخرى، قد تحقق الاندفاع للانضمام إلى المحمل الخليجي، الذي يتجمّل بالأمن والاستقرار.

ونعود بالحديث عن مسؤوليات النائب الأول، الذي يعالج الآن أخطر المعابر في هيكلة الأمن الكويتي، لنؤكد له ما يراه الآن من مؤازرة شعبية متدفقة نحو ترحيبها، بألا يتوقف عند نقد لحزمه، ولا يتريث مستغرباً صيحات المتأثرين من كتلة المزورين، فسلامة الكويت وأمنها أهم الأولويات في حياة شعبها.

نقلاً عن “القبس

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى