مقالات وآراء

حلّوها.. أو أعيدوا الاعتبار لها

إقبال الأحمد

نشرت وكالة الانباء الكويتية (كونا) قبل ايام تقريرا جميلا من ماليزيا حول تعدد الاديان ووجود مسجد وكنيسة ‎متجاورين في شارع واحد.

‎اعترض بعض النواب ‎على هذا التقرير، ثم جاءت الاوامر لمسؤولي الوكالة بالغاء التقرير من النشرة، وبالفعل تم الغاؤه لاحقا.

وكان اعتراض هؤلاء النواب على ما جاء في التقرير، ما تضمنه من معلومة وردت في هذه الفقرة: «انه ما ان تطأ قدم الزائر لمدينة (مالاكا) التاريخية وشارع (جلال هرموني)، حتى يستشعر مفهوم التعددية الدينية التي تتبناها ماليزيا.. هذا الشارع الذي يحتضن احد أقدم المساجد في البلاد ومعبدا بوذيا أو هندوسيا وكونفوشوسية وكنيسة ميثودية».

واسترسل التقرير في سرد تاريخي للمنطقة منذ قرون، وكيف تحولت في معظم المباني السكنية القديمة المطلة على هذا الشارع.. إلى محال ومطاعم ومقاهٍ ومتاحف تراثية، التي كلها تعد شاهدة على التعددية الدينية.

ويذكر التقرير ان هذه المدينة هي اليوم مدرجة ضمن قائمة منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة اليونيسكو للتراث العالمي منذ عام 2008.

علق بعض هؤلاء النواب قائلا ان المعلومات التي ذكرها التقرير والذي وصف هذا الشارع بأنه (مثال حضاري لمفهوم التعددية الدينية)، بان «المثال الحضاري.. هو الاعتزاز بدين الاسلام والانتماء لهوية الامة وعدم تلميع او تزيين العقائد الفاسدة المناقضة لدين الاسلام».

أولا، كيف اعتبرت ان ما ذكر بتقرير «كونا» هو تلميع وتزيين.. و‏لماذا لم تعتبره معلومات عامة وإضافة للثقافة البشرية التي يعيشها العالم كله، ولماذا اعتبرت هذه الفقرة او المعلومة هي مصدر خطر للدين والعقيدة الإسلامية، وهل وصلنا الى هذه المرحلة من الهشاشة لدرجة ان قراءة مثل هذه المعلومات يمكن ان تهزّ ديننا وتضعفه؟ خاصة أننا ككويتيين معروف عنا التزامنا وتمسكنا بديننا في كل الظروف وكل الأزمنة.

ثم بأي حق اعتبرت ان هذه الاديان او العقائد، فاسدة ومناقضة لديننا الاسلام؟

فيما ‏وجه نائب آخر رسالة لرئيس مجلس إدارة «كونا»، (علما بأن رئيس مجلس إدارة كونا مستقيل منذ سنوات.. ولم يعين احد مكانه الى يومنا، وهذا بحد ذاته خلل يجب ألا يطالب مؤسسة إعلامية تعتبر الذراع الاعلامية الرسمية للدولة.. إضافة الى ان المدير الحالي بالتكليف، وايضا رئيس التحرير و60 في المئة من مديري الادارات بالتكليف ايضا)، رسالة النائب تضمنت فقرة يطالب بها توجيه العاملين بالوكالة للالتزام بالمهنية في نقل الخبر، وعدم التسويق لأي ديانة أخرى غير الإسلام.. وهو دين الدولة كما نصت عليه المادة الثانية من الدستور، مطالبا أيضا بمحاسبة من أجرى هذا التحقيق.

‎كما ذكر النائب تسويق.. هل هذا تسويق لدين او عقيدة اخرى؟

لا يمكن بأي حال من الاحوال ان يقارن دين اخر بالاسلام.. كل له اتباعه والمؤمنون به والمتمسكون بشعائره.

بخصوص المادة الثانية من الدستور التي استندوا عليها في رفضهم.. فإننا نذكرهم بما يؤكد احترام الكويت للتعددية الدينية.. وهو ما اكدت عليه المادة 35 من دستور الكويت الجميل.. حيث ‎تنص هذه المادة على ان «حرية الاعتقاد مطلقة، وتحمي الدولة حرية القيام بشعائر الأديان طبقا للعادات المرعية، على ألا يخل ذلك بالنظام العام أو ينافي الآداب».

‎ثم ان الكويت كانت من أوليات دول الخليج التي تهتم ببناء الكنائس، حتى ان الكنيسة القبطية في حولي تم تشييدها بتبرع خاص.

إن ‎الامم المتحدة اعتبرت الكويت مركزا للانسانية، فكيف يستقيم ذلك مع ما يحدث على ارض الواقع في ظل اعتراض البعض على نشر مثل هذا التقرير الذي يُعلي قيم التسامح ولم يتعدَّ على ديننا الاسلامي.

‎ان ماليزيا التي يدور حولها التقرير، دولة مسلمة مثل الكويت.. ومثل معظم الدول الاسلامية التي تؤكد سماحة الدين الاسلامي، وخلال الفتح الاسلامي حرص المسلمون على الحفاظ على سلامة دور العبادة وسمحوا لغير المسلمين بممارسة شعائرهم الدينية.

‎كيف تتحدث الحكومة عن توجه جديد وخطط تنموية تحقق نقلة نوعية، في ظل عقلية ترفض حتى الحديث او استعراض اي معلومات تاريخية وواقعية.. وتعتبرها تهز ركائز ديننا الذي هو من اجمل واقوى الاديان؟

هذا مثال بسيط جدا لبعض العقليات التي ستشرع لنا في مجلس الامة الجديد.. في ظل صمت القبور الذي يقابلها..عند من توسمنا فيهم خيرا ومن سيتصدون ويقولون نيابة عنا كفى.. فهناك امور مصيرية اكبر بكثير يحتاحها الوطن.

الا انني لا اترجى من اغلبيتهم خيرا.. لانهم انجرفوا الى الضفة الاخرى (ضفتهم).. فانقلبت مقاييسهم رأسا على عقب، ليحل الوطن ومصالحه في ذيل الاولويات عندهم.. للاسف الشديد.

املنا الوحيد وهو ما تبقى لنا، ان تواجه الادارة الجديدة التي نفخت فينا قبلة الحياة (حسب ما استشعرنا).. كل هذا العبث.

***

عملت سنوات طويلة في «كونا»، واعرف انه لا يزال فيها طاقات رائعة تتمتع بالمهنية والادراك العالي لكل ما ينشر او لا ينشر، الا انني اجدها اليوم مقيدة بأغلال التدخلات الخارجية، في ظل ارتجاف بعض المسؤولين من اي اتصال يردهم بخصوص ما ينشر.. أو لا ينشر.. وهو ما لم يكن يحصل سابقا بأي شكل من الاشكال.

إما ان تعيدوا لهذه الجهة الاعلامية استقلاليتها واعتبارها والغرض الاساسي منها.. او حلوها.

*نقلاً عن “القبس

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط.

زر الذهاب إلى الأعلى