مقالات وآراء

.. إلا السعودية

بمنتهى الصراحة والوضوح، ومن دون أي مقدمات نؤكد – كما يؤكد كل العرب، وكل الشعوب المحبة للسلام والأمن والاستقرار – أن المملكة العربية السعودية الشقيقة معروفة لدى العالم كله بانتهاج سياسة معتدلة، لكنها لا تسمح لأحد أن يمس سياستها أو يفرض عليها ما لا تؤمن به من إجراءات أو قرارات، فتصرفاتها من صُنع قادتها، وقراراتها مستوحاة من مصلحة أبنائها من دون أن يعني ذلك تخليها عن مساعدة الدول والشعوب وتقديم العون لمن يطلبه، وبذل المساعدة لمن يريد المساعدة بغير منِّ ولا أذى، بل بدافع من المسؤولية الإنسانية، وما جُبلت عليه المملكة من قيم العدالة والبذل والعطاء.
وليس من شك في أن كل ما تقدم تؤكده المواقف وتدعمه السياسات المتزنة الهادئة المدروسة التي درج عليها ملوك المملكة العربية السعودية الشقيقة منذ أن وضع لبناتها الأولى الملك المؤسس عبدالعزيز آل سعود -طيب الله ثراه – ثم سار على دربه ونهجه أبناؤه الذين شهد لهم القاصي والداني بالفطنة والذكاء، وبالبسالة والشجاعة والفداء في غير اندفاع أو تهور، وبلا نكوص أو تردد أو إذعان، بدءاً بالملك سعود ووصولاً إلى خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز – حفظه الله ورعاه – وولي عهده الأمين صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان.
إن المواقف المشرفة للمملكة العربية السعودية الشقيقة وقادتها أكثر من أن تعد أو يأتي عليها الإحصاء، لأنها بكل بساطة بادية للعيون في شرق الدنيا وغربها، وفي شمالها وجنوبها، فلا يوجد مكان على وجه الأرض لم تمتد إليه يد الخير السعودية بطريقة مباشرة أو غير مباشرة.
كانت تلك المقدمة ضرورية للتذكير بأن السعودية وقادتها يعملون دائماً لخير المنطقة ولخير العالم، بدافع إنساني بحت بعيداً عن التسييس والمصالح الآنية الضيقة، وإيماناً بأن صلاح العالم وأمنه واستقراره يتحقق فعلياً إذا امتدت أيادي الدول والأفراد إلى بعضها بالعون والمساعدة، لا بالطعان والضربات ولا بالمنع والحرمان.
وتأسيساً على ما تقدم نقول: إن ما وجهته الولايات المتحدة الأميركية من انتقادات للقرار الذي اتخذته منظمة أوبك + في الخامس من الشهر الحالي بخفض الإنتاج، واعتباره انحيازاً إلى روسيا في أزمتها مع أوكرانيا، سلوك جانبه الصواب، وتصرف لم يكن من اللائق أن يصدر عن واشنطن تلك العاصمة الكبرى التي تربطها بالمملكة العربية السعودية وشائج كثيرة وعلاقات متميزة في جميع المجالات، ولا أقول تربطها بالسعودية وحدها، بل بسائر الدول العربية التي تمثل الرياض قاطرتها وعمود الخيمة بالنسبة لها.
ويقوم دليلاً على مجانبة القرار الأميركي الصواب جملة من الحقائق لعل أبرزها يكمن فيما يلي:
? قرار أوبك + اتخذ بالإجماع ومن منظور اقتصادي خالص يراعي توازن العرض والطلب في الأسواق، ويحد من التقلبات.
? كل مخرجات اجتماعات أوبك + يتم تبنيها وتفعيلها من خلال التوافق بين الدول الأعضاء ولا تنفرد به دولة أو اثنتان.
? المملكة العربية السعودية لا تسيس النفط ولم يعرف عنها ذلك، ولا تعتبره سلاحاً تشهره حيناً، وتغمده حيناً، بل هو بالنسبة لها سلعة تستهدف أمن واستقرار ورفاهية الشعوب.
? العالم كله يعرف ويشهد ويسلِّم بالدور الذي تلعبه السعودية في حماية الاقتصاد العالمي، من تقلبات أسعار الطاقة وفق سياسة متوازنة تراعي وتأخذ في الحسبان مصالح الدول المنتجة ومصالح الدول المستهلكة على حدٍّ سواء.
واستناداً إلى ذلك كله وإلى غيره مما لا يتسع المجال لذكره نقولها بملء الفم وبكل الشفافية والوضوح: إن التصريحات الأميركية التي تحدثت عن انحياز الرياض في صراعات دولية عارية تماماً عن الصحة، وبعيدة كلّ البعد عن الصواب لأنها لا تستند إلى أي حقائق، ولا تقوم على أي دليل، وهذا -بالضبط- ما أعلنته الخارجية السعودية، إذ قالت في بيان لها: إن المملكة ترفض اعتبار قرار أوبك+ بمثابة انحياز في صراعات دولية، أو على دوافع ضد الولايات المتحدة الأميركية.
واعتبر البيان أن محاولة طمس الحقائق فيما يتعلق بموقف السعودية من الأزمة الأوكرانية أمر مؤسف، ولن يغير من موقف الرياض المبدئي وتصويتها بتأييد القرارات المتخذة في الأمم المتحدة تجاه الأزمة الروسية – الأوكرانية، انطلاقاً من تمسك المملكة بضرورة التزام جميع الدول بميثاق الأمم المتحدة ومبادئ القانون الدولي، ورفضها أي مساس بسيادة الدول على أراضيها.
وهكذا كان الموقف السعودي حازماً وحاسماً وقاطعاً، ولو لم يأت على هوى واشنطن، فالسعودية – كما قلنا آنفاً- تراعي المصالح الكبرى، ولا تدور مطلقاً في فلك أي دولة، ولو كانت الولايات المتحدة الأميركية، فهدفها دائماً وأبداً تعزيز المصالح المشتركة والحفاظ على الأمن والسلام الإقليمي والدولي.
إن ما أقدمت عليه المملكة العربية السعودية، وما أعلنته من رفض الإملاءات، مدعاة للفخر والاعتزاز ودليل على أنها تأمر ولا تؤمر، تقود ولا تُقاد، ليس بقوة السلاح ولا بسطوة المال، وإنما بالوقوف إلى جانب الشرعية الدولية، ومؤازرة ما تتوافق عليه الدول من قرارات تصون سيادتها وتضمن استقلالها، وتعود -في الوقت نفسه – بالنفع والفائدة على الأمم والشعوب.
تحية للمملكة العربية السعودية الشقيقة، تحية لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز ملك الحزم والعزم والمضاء، وتحية لعضده وولي عهده صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز، وتحية للشعب السعودي الذي ينهج نهج قادته ويدعمها ويسير خلفها مرفوع الرأس والهامة، يعرف طريقه، ويحدد هدفه، ويواصل المسيرة نحو الرفعة والنهضة والمستقبل المشرق المنير.

نقلا عن “النهار

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط.

زر الذهاب إلى الأعلى