مقالات وآراء

“الارتداد الإيكولوجي” ومستقبل البشرية


إميل أمين

 


العين الإخبارية

بعيدا عن بحار السياسة الهائجة المائجة، وعلى هامش الأعياد المباركة، نحاول في هذه السطور الإبحار بعيدا عن الأخبار الآنية وإشكالياتها، والغوص في لجة المستقبل حجرا وبشرا إن جاز التعبير.

ولأن الموضوعات المستقبلية عديدة وعريضة، لذا فقد اخترنا واحدا منها، بتنا جميعا نشعر بتأثيراته المخيفة، ونقصد به التغيرات المناخية، وحديث الانفجار الإيكولوجي الذي يحدثنا به العلماء في حاضرات أيامنا.

ولعله من الواضح أن المرء لا يستطيع أن يتجاهل ما يجري على سطح الكرة الأرضية في الأسابيع الأخيرة، فاحترار الكرة الأرضية بلغ مرحلة غير مسبوقة، وتكفي نظرة على الحرائق المشتعلة في غرب العالم، لا سيما في كندا والولايات المتحدة الأمريكية، عطفا على الفيضانات التي تغرق ألمانيا، والارتفاع غير المسبوق في درجات الحرارة في الشرق الأوسط والخليج العربي، ليقطع المرء بأن هذه هي الحرب العالمية الحقيقية التي تواجهها البشرية، والتي شنتها الطبيعة على الإنسان، من جراء أفعال الإنسان الآثمة تجاه الطبيعة عينها.

ما مستقبل مناخ الأرض في العقود القادمة؟

الشاهد أنه إن لم تحدث حرب عالمية نووية تقود الكوكب الأزرق إلى ما يعرف بالشتاء النووي، والذي يمكنه أن يقضي على الحياة البشرية، فإن العالم سوف يواجه عدة ظواهر مخيفة إن لم يسارع البشر إلى ما وصفه البابا فرنسيس، بابا روما، بالارتداد الإيكولوجي، بمعنى التوقف عن إلحاق الأضرار بالبيئة والعمل سريعا على معالجة الأخطاء التي تقترب من حد الخطايا المرتكبة في حقها.

التساؤل الأول الذي يهمنا بالدرجة الأولى: “هل الأرض معرضة للاحتراق؟”

هناك نظرية مؤداها أن درجة حرارة الأرض آخذة في الارتفاع بشكل مستمر وثابت؛ وذلك بسبب إصرار الإنسان على حرق الوقود والغابات، وبسبب زيادة تركيز غاز الميثان. وباستمرار الحال على ما هو عليه سيأتي يوم يعمل فيه الغلاف الجوي المحيط بالكرة الأرضية كمصيدة لحرارة الشمس. أما النتيجة الحتمية لذلك، فهي ارتفاع درجة حرارة الكرة الأرضية إلى حدود لا يمكن تحملها، الأمر الذي يؤدي إلى انصهار كتل الجليد في القطبين، وبالتالي ارتفاع مياه المحيطات مما يشكل خطورة كبيرة على الحياة على كوكب الأرض.

هل البشرية منتبهة بما يكفي لهذا الخطر الداهم؟

الذين تابعوا قمة الدول السبع الكبرى في بريطانيا مؤخرا، وقر لديهم أنه لا توجد إرادة حقيقية لمواجهة الهلع والرعب القادمين، بل ما يجري هو التهرب من استحقاقات معالجة الأزمة.

ما الذي سوف يستتبع ظاهرة الاحترار العالمي؟

بلا شك، سوف تحل بالأرض ظاهرة التصحر، بمعنى أن الحرارة الفائقة سوف تحول مساحات واسعة وشاسعة من الكرة الأرضية من أراض صالحة للزراعة إلى أراض جافة، وسوف يساهم في ذلك ندرة المياه وجفاف الانهر والبحيرات العذبة، مع ارتفاع حاد في مستويات المياه في المحيطات وبما يغرق جل اليابسة.

التصحر يعني، بعبارة واضحة، نقص الغذاء على سطح الكرة الأرضية، وحدوث اختلالات هيكلية في توزيع ثروات الأرض اللازمة لحياة البشر، ما يعني المزيد من الهجرات غير المنضبطة أو الشرعية، وحدوث حروب بينية حول العالم، وافتقاد البشرية لحالة الأمن والنظام والدخول من ثم في مرحلة فوضى عالمية غير مسبوقة.

ولعله من الظواهر المخيفة التي يتحدث بشأنها العلماء، القول بأن كوكب الأرض معرض ومن جديد للدخول في فترة ما يسمى بعصر الجليد.

والمعروف أن آخر عصر جليد مر بالأرض كان منذ نحو مئة وعشرة آلاف سنة، وانتهى منذ أحد عشر ألف سنة تقريبا، بما يعني أن حوالي ثلاثة آلاف جيل من البشر قد عاصروا هذا العصر الجليدي، لم تحظ عيونهم سوى بمنظر الصقيع، ولم تلفح وجوههم سوى أعاصير البرد القارس.

في هذا السياق، يبدو أن الكثير من الدراسات تشير إلى أن عصرا جليديا قادما مرة أخرى عما قريب، وهذا لا يعني بالطبع أن الأمر سوف يبدأ في العشرين سنة المقبلة، ولكننا نشير إلى أن ما نتمتع به من جو معتدل حاليا يمكن أن يتحول إلى عواصف وصقيع مدمر خلال فترة زمنية قصيرة.

ما الذي على البشرية فعله إن أرادت تجنب الأضرار الكارثية لعصر الجليد، والذي يمكن أن يحل بالأرض خلال القرنين القادمين، أي بحدود عام 2300؟

هنا قد يتوجب على الإنسانية استغلال الفترة المتاحة بشكل جيد لتعلم كيف نحمي أنفسنا من الآثار المدمرة لعصر الجليد القادم، لا سيما أنه عند حلوله فإن الحضارة المدنية التي نعيشها اليوم في المناطق المعتدلة ستصبح مستحيلة، ومن المنتظر أن يفقد المليارات من البشر منازلهم والأخطر حدوث نقص شديد في مصادر الرزق، وتعرض حياة الملايين منهم للموت بردا.

واتقاء لشر عصر الجليد، ينادي نفر من العلماء بأنه لا بد من تأسيس تكنولوجيا متقدمة لمواجهة القسوة البالغة التي ستتولد عن سطوة الجليد على الحجر والبشر. ومن بين الأفكار المطروحة العمل على زيادة كمية أشعة الشمس الواصلة إلى الأرض، وهو عمل جبار وضخم يحتمل تنفيذه عن طريق وضع مرايا عملاقة في المدار الخارجي للكرة الأرضية.

ومع ذلك، تبقى هناك مخاطر من تجارب إذابة الثلج على الأرض خوفا من حدوث تدمير للبيئة، وإلحاق ضرر بالكرة الأرضية. ولهذا، فإنه من المفضل قبل إجراء تجارب على سطح الكرة الأرضية أن يقوم العلماء بتنفيذ هذا السيناريو الجبار خارجها وعلى كوكب آخر مثل المريخ على سبيل المثال. وقد تبدو الفكرة خرافية، غير أن مشوار الألف ميل يبدأ بخطوة، كما نعرف أنه لا شيء مستحيل إذا توافرت الإرادة والأفكار العلمية المناسبة والصحيحة لتنفيذ ما كان يبدو يوما ما خيالا يصعب تنفيذه.

ومن القضايا المثيرة على كوكب الأرض في قادم الأيام الحديث عن زيادة عدد السكان وتناقص الموارد الطبيعية، وهو ما أشار إليه العالم الإنجليزي روبرت مالتوس قبل قرنين، إذ أشار إلى أن السكان يتزايدون بمتوالية هندسية، بينما البشر يتصاعد عددهم بمتوالية عددية، ولهذا فإنه عند نقطة زمنية بعينها لم تضح خيرات الأرض كافية لكل أبنائها.

هذا التحدي الكبير والخطير ربما يوجب على الإنسان أن يفتح آفاقا علمية لاستغلال ما هو غير مستغل في هذا الكوكب من أجل صالح ومصالح البشرية واستمرارها، وفي مقدمة النقاط التي يتوجب استغلالها المحيطات والبحار التي تشكل 79% من مساحة الكرة الأرضية، وهذه يمكن أن تكون مصادر للغذاء، والبعض الآخر يفكر في طرح مشروعات للإقامة والسكنى فيها من خلال عمل مستوطنات مائية لملايين البشر، ناهيك عن إمكانية توليد الطاقة من المياه، وهذه قصة غاية في الأهمية، وربما تكون قد بدأت بالفعل من خلال ما يسمى بالهيدروجين الأرزق، وهذه قصة أخرى.

والمؤكد أن الملفات الخاصة بعلاقة الإنسان بالطبيعة واسعة وعديدة، والمخاطر قاتلة ومهلكة، وهناك في الأفق كلام أكثر إثارة عن حتمية أن يتدبر البشر أمرهم في مواجهة الكويكبات والنيازك المحتمل سقوطها على الأرض. وقد استمعنا إلى مشروع صيني الأيام الماضية يخص تجهيز آلاف الصواريخ لملاقاة أي منها.

هل من خلاصة للسطور المتقدمة؟

من جديد، إنها ساعة الحسم للجنس البشري والقادر عبر منظومة تضامنية إنسانية، أن يواجه تلك الأخطار بروح الجماعة. وحال تفرغ للقتال والاقتتال والمنافع قصيرة النظر، فإنه في غالب الأمر سوف تضاعف الطبيعة من عقوباتها، ما لم يحدث ارتداد إيكولوجي يستنقذ البشر والحجر معا.

زر الذهاب إلى الأعلى