من حرب “الإسناد” إلى حرب “البقاء”!
مع مجزرة “البيجر” ثم عملية اغتيال مجموعة كبيرة من قادة “حزب الله” دخل لبنان الأسبوع الفائت في نفق مظلم. تدحرجت حرب “الإسناد” نصرة لحركة “حماس” التي بادر إليها “حزب الله” في الثامن من تشرين الأول (أكتوبر) 2023 إلى مواجهة خطيرة تنذر بأن تتحول سريعاً إلى حرب مفتوحة ومدمرة بين إسرائيل وذراع إيران في لبنان. ولعل الضربات الدراماتيكية التي تلقاها “حزب الله” الأسبوع الماضي من إسرائيل ما يستوجب منه التوقف قليلاً للتفكير بهدوء وطرح السؤال الآتي: هل كان قرار التورط في حرب “الإسناد” صائباً؟
ندعو قيادة “حزب الله” إلى أن تراجع قليلاً حساباتها وأن تجيب بموضوعية على هذا السؤال، لا سيما أنه سؤال تطرحه الأكثرية الساحقة من اللبنانيين. طبعا نحن لا نتوقف عند النواة الصلبة المرتبطة بالحزب المذكور مدفوعة بعوامل المذهبية، والتعصب، والعشائرية، والمصلحة. نحن نتحدث عن الحلقة التي يفترض أنها الضيقة والتي تفكر وتتخذ قرارات، وإن تكن القرارات الاستراتيجية الكبيرة تتخذ على مستوى أعلى من القيادة المحلية أي في طهران. فالتضحية بحياة مئات اللبنانيين من البيئة الحاضنة وغيرها، وإقحام لبنان بحرب مدمرة من شأنها أن تؤدي الى كارثة تاريخية في لبنان مسألة خطيرة جداً متى كانت تنطلق من حسابات خاطئة. فقرار التورط في حرب “الإسناد” كان قراراً إقليمياً اتخذه محور “وحدة الساحات” الذي تقوده إيران. والضوابط التي وضعت له تقررت على قاعدة أن المطلوب هو اللحاق بحرب غزة من أجل حجز مكان على طاولة المفاوضات الإقليمية.
ومن الواضح أن طهران وبالاستتباع قيادة “حزب الله” المحلية ما كانت تبحث عن حرب واسعة، لا حتى عن حرب متوسطة الوتيرة. كان المطلوب إشعال حرب مناوشات حدودية، محدودة الأثر والمدى والخطورة. غير أن حسابات الحقل الإيراني و”حزب الله” لم تطابق حسابات البيدر الإسرائيلي! لم تؤثر جبهة لبنان على مسار حرب غزة. سُحقت الأخيرة من دون أن يرف للإسرائيليين جفن. والفاتورة كبيرة جداً: أكثر من 150 ألف ضحية من كل الفئات، وتدمير شبه كامل لقطاع غزة، وطرد كل عناصر الحياة منه. وبالتوازي تدحرجت الأمور على جبهة لبنان بشكل متصاعد وصولاً إلى مرحلة الوقوف على حافة الحرب الحقيقية كما هو الحال اليوم.
لقد حان الأوان لكي تقوم قيادة “حزب الله” وبعيداً عن الأعذار العقائدية التكتيكية المرتبطة بحسابات الدول والمصالح (إيران) بمراجعة حقيقية للخطأ الكبير الذي اقترفته في 8 أكتوبر.
والخطأ هو عملياً أكثر من خطأ: لم يقرأ الحزب المذكور حقيقة ما يحصل في إسرائيل والانقلاب الكبير الذي أحدثته عملية “طوفان الأقصى” في مقاربة المجتمع الإسرائيلي وبالتالي المستوى السياسي، والمؤسسة العسكرية والأمنية. كان الاعتقاد أن إسرائيل لن تخوض حرباً طويلة، فخاضتها ولا تزال. وكان الاعتقاد أنها لن تجارب على أكثر من جبهة فحاربت ولا تزال. وكان الاعتقاد أن العالم سينتفض ضدها ويحاصرها رداً على مجازرها في غزة فأكملت ولا تزال. وكان الاعتقاد أن الولايات المتحدة والغرب وتحت بند استعادة الرهائن أحياء سيضغطان على إسرائيل لتذهب إلى صفقة سريعة توقف حمام الدم فلم تلتفت إلى الرهائن وواصلت القتل والتدمير وتجريف الحياة ولا تزال.
وبالنسبة إلى لبنان كان الاعتقاد أن صواريخ “حزب الله” ستفرض على اسرائيل معادلة ردع متبادل تمنعها من التصعيد ضد الحزب المذكور، فقتلت حتى الآن أكثر من 500 مقاتل وقائد من أعلى الرتب، وطاردت المستشارين الإيرانيين في لبنان وسوريا ودمرت القنصلية الإيرانية في قلب دمشق. واستهدفت معقل “حزب الله” في الضاحية الجنوبية لبيروت أكثر من مرة، واقترفت مجزرة “البيجر” بحق 4000 من منتسبي الحزب المذكور، ثم قتلت عشرات المدنيين في معرض اغتيال 16 من القادة الكبار في قلب الضاحية. وهي ماضية في الذهاب الى أبعد من ذلك، لأن خيار القتال لديها وجودي وليس سياسي. ومن هنا تأييد اكثر من 62 في المئة من الإسرائيليين شن حرب واسعة على “حزب الله”.
لقد ارتكب الحزب مدفوعاً من طهران خطأ فادحاً وربما قاتلاً لأنه لم يحسن قراءة الموقف. وبالتالي بات يخوض حرب “بقاء” بدلاً من “حرب “الإسناد”.
نقلا عن النهار